Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

خطة إعمار غزة.. الفرص والتحديات

أثارت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض “سيطرة” على قطاع غزة جدلًا واسعًا، لكنها لم تقدم حلولًا عملية للمشكلات العميقة التي تواجه القطاع الساحلي.

ورغم أهمية التفكير في مستقبل غزة، فإن النظر إليها من زاوية ضمّها للولايات المتحدة ليس نهجًا واقعيًا أو مجديًا لبناء كيان فلسطيني مستقر، فهناك طريق أفضل لتحقيق ذلك، يستعرضه الباحث أحمد الخطيب في دراسة على موقع “المجلس الأطلنطي”.

الخروج من تحت الأنقاض:

هناك العديد من الحلول قصيرة المدى لمواجهة التحديات الفورية لإعادة إعمار غزة. من بين هذه الحلول، إعادة تدوير الأنقاض واستخدامها لإنشاء شبه جزيرة صناعية قبالة الساحل الأوسط للقطاع، يمكن أن تضمّ مطارًا وميناءً بحريًا يعملان كمنفذ مستقل بعيدًا عن السيطرة الإسرائيلية والمصرية، ما يساهم في إعادة تأهيل غزة اقتصاديًا.

كما يمكن إقامة محطة طاقة عائمة قبالة الساحل لتوفير الكهرباء، إلى جانب وضع كسارات خرسانية في القطاع لمعالجة الأنقاض وإفساح المجال لإقامة منازل متنقلة مؤقتة حتى يُعاد البناء.

ويمكن لفِرق متخصصة من الولايات المتحدة والغرب البحث عن الذخائر غير المنفجرة وإبطال مفعولها قبل أن تصل إليها حركة حماس وتعيد استخدامها.

تمثل حلول مؤقتة لمعالجة مياه الشرب والزراعة العمودية وإزالة الركام فرصًا للعمل وريادة الأعمال قد تُحدث فرقًا كبيرًا على المدى القريب.

وبالنظر إلى أن غالبية سكان غزة تمركزوا جنوبًا خلال الحرب، يمكنهم البقاء هناك أثناء إعادة إعمار الشمال.

تحديات استراتيجية تعيق انتعاش غزة:

لكن إعادة الإعمار وحدها لا تكفي لتحقيق نهضة حقيقية لغزة، فهناك مشكلتان جوهريتان تحولان دون ذلك.

أولًا، لا تزال حركة حماس، رغم إضعافها، تحتفظ بنفوذها في القطاع، وتتبنى أيديولوجية توصف بأنها عنيفة وتدميرية.

ثانيًا، يرتبط وعي العديد من الفلسطينيين في غزة بالصراع الأوسع مع إسرائيل، ما يجعلهم غير قادرين على فصل مصيرهم عن تطورات الأحداث في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

هذا يعني أن الكثيرين لا ينظرون إلى غزة باعتبارها الركيزة الوحيدة لدولتهم، ولا ينصبّ تركيزهم على جعلها نموذجًا ناجحًا للحياة الفلسطينية.

هاتان العقبتان تجعل خطط إعادة الإعمار التقليدية غير كافية لمنع تكرار جولات العنف مستقبلاً، ما يؤدي إلى المزيد من الضحايا الفلسطينيين وهدر الموارد التنموية.

لا حلول سريعة أو سحرية لمعالجة هذه القضايا دفعة واحدة، ما يستدعي نهجًا استراتيجيًا طويل الأمد، يعتمد على التنفيذ المرحلي والإبداع واتخاذ قرارات صعبة.

كسر احتكار السلطة:

التحدي الأول والأهم هو تفكيك احتكار حماس للسلطة في غزة، إذ إن سيطرتها المطلقة تجعل الفلسطينيين هناك رهائن لرؤى سياسية توصف بأنها مدمرة. يمكن تحقيق ذلك عبر تقويض مصادر تمويل الحركة، واستمالة بعض أعضائها المعتدلين، والمطالبة بنفي القادة العسكريين البارزين المتبقين في القطاع.

يتطلب هذا النهج هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل تحت إشراف دولي، إضافة إلى إيجاد آليات لإعادة تأهيل ودمج بعض عناصر حماس وفق ضوابط صارمة.

كما ينبغي فصل حماس في غزة عن نظيرتها في الضفة الغربية، بحيث لا تعتمد الأخيرة على الأولى في أي دعم مستقبلي.

إعادة صياغة العقد الاجتماعي:

التحدي الثاني يتمثل في إعادة تشكيل العلاقة بين سكان غزة وحكومتهم والمجتمع الدولي.

فمن المتوقع أن تعترف الحكومة المستقبلية، التي قد تكون تكنوقراطية وغير سياسية وتحظى بمباركة جزئية من السلطة الفلسطينية، بأن الفلسطينيين في غزة تعرضوا للإهمال وسوء الإدارة والتضليل.

وعلى القادة المستقبليين في القطاع التعهد بعدم تكرار الماضي، والالتزام بعدم استخدام الشعارات الثورية أو العنف أو القرارات الأحادية التي تعرض سكان غزة لمزيد من الكوارث.

كجزء من إعادة تشكيل الوعي السياسي، يمكن إطلاق منصة إعلامية جديدة تتيح مساحة للأصوات المعارضة لحماس، وتشجع رؤى فلسطينية بديلة بعيدًا عن الخطابات التصعيدية. ويمكن أن تُطلق هذه المنصة تحت اسم “راديو غزة الحرة”.

الدعم الدولي: مشروط أم غير محدود؟

يجب أن يترافق الدعم الدولي لغزة، سواء من الدول العربية أو الغربية أو المنظمات غير الحكومية، مع ميثاق واضح يحدد معايير تقديم المساعدات.

يعتمد سكان غزة بشكل شبه كلي على المساعدات، وسيحتاجون إلى وقت طويل لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

لكن هذا الدعم يجب أن يُوجَّه نحو بناء مستقبل مستدام، وليس تعزيز بيئة غير مستقرة تُستخدم كنقطة انطلاق للصراعات.

لتحقيق ذلك، يجب فك الارتباط بين ما يحدث في غزة وما يجري في الضفة الغربية أو القدس الشرقية.

وبعد استعادة الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قد تتمكن غزة من تحقيق اندماج اقتصادي أكبر مع إسرائيل وأجزاء أخرى من الدولة الفلسطينية المستقبلية.

لن يستمر تقديم المساعدات إلى الأبد، خصوصًا في ظل عالم يعاني من أزمات مالية وإنسانية متزايدة.

لذا، ينبغي على الفلسطينيين في غزة الاستفادة من الدعم المقدم لهم لتحويل واقعهم نحو الاستقرار، بدلاً من البقاء في دوامة التدمير وإعادة الإعمار المستمرة.

كيف يمكن لغزة أن تنهض؟

قد تبدو هذه الأهداف بعيدة المنال، لكنها ضرورية لجعل غزة نموذجًا فلسطينيًا ناجحًا ينهض من تحت الرماد.

قد يكون ترامب محقًا في سعيه لإحداث تغيير جذري في الوضع القائم، فكثيرون في غزة يرون أن تحولًا كبيرًا أصبح ضروريًا.

لكن الخطابات الإمبريالية التي لا تقدم حلولًا حقيقية ليست سوى تشتيت للأنظار، وتضع الدول العربية السنية المعتدلة في مأزق سياسي لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ولا يحقق الاستقرار في المنطقة.

يمكن معالجة التحديات الأمنية والسياسية والفكرية من خلال الابتكار وتجربة أساليب جديدة، مع إدراك أن الحل في غزة لن يكون مجرد صفقة عقارية أمريكية، بل يتطلب رؤية متكاملة تتعامل مع تعقيدات الواقع على الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى