Podcast Icon
سياسة

حكومة موازية تُشعل انقسام السودان.. هل يقترب سيناريو التقسيم؟

أثار الإعلان عن اقتراب موعد تشكيل حكومة جديدة مدعومة من “قوات الدعم السريع” وموازية لحكومة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، زلزالًا سياسيًا عنيفًا داخل السودان، حيث امتدت تداعياته إلى الأوساط السياسية والاجتماعية وحتى العسكرية. أولى ارتدادات هذا الزلزال تمثلت في انقسام تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” إلى تيارين، مما زاد المخاوف من تعميق الانقسامات الداخلية والتمهيد لنشوء “دول متعددة” داخل السودان، وهو ما ينذر بخطر التقسيم الفعلي.

موعد الإعلان عن الحكومة الموازية
حددت المجموعة المنشقة عن “تقدم” يوم الإثنين 17 فبراير (شباط) موعدًا لإعلان “الميثاق السياسي” والتوقيع عليه، يليه تشكيل الحكومة الجديدة بمشاركة عدد من القوى السياسية من داخل “تقدم” وخارجها، إضافةً إلى الحركات المسلحة المنضوية تحت “الجبهة الثورية”.

مهام الحكومة الجديدة
كشف الناطق الرسمي باسم تحالف القوى المدنية المتحدة “قمم”، عثمان عبد الرحمن سليمان، في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط، أن اللجان الفنية أكملت إعداد الدستور المؤقت والميثاق السياسي وبرنامج الحكومة، وهي جاهزة للتوقيع. ووفقًا لسليمان، ستتركز مهام الحكومة المزمعة على:
حماية المدنيين وتقديم الخدمات الأساسية.
تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
إصدار الأوراق الثبوتية.
تحييد سلاح الطيران.
التواصل مع المجتمع الدولي.

انقسام داخل “تقدم” وإعلان تحالف جديد
أدى هذا التوجه إلى انقسام “تقدم”، حيث أعلنت المجموعة الرافضة للحكومة الموازية، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، فك ارتباطها بالمجموعة الأخرى. ووفقًا لـ اتفاق جنتلمان، تم تفكيك التحالف “بإحسان”، وأُعلن عن تأسيس تحالف جديد يحمل اسم “صمود”.

يرى تحالف “صمود” أن المسار الصحيح يتمثل في العمل المدني الديمقراطي دون تشكيل حكومة، في حين تعتبر المجموعة الداعمة للحكومة الموازية أن تشكيلها أداة لنزع الشرعية عن حكومة بورتسودان.

هل السودان على أعتاب التقسيم؟
يرى مراقبون أن تشكيل حكومة في مناطق سيطرة “الدعم السريع” قد يعزز الانقسام الجهوي والإثني، وينقل الحرب من صراع بين الجيش و”الدعم السريع” إلى حرب أهلية قد تستمر لعقود.

كما أثارت هذه الخطوة قلقًا كبيرًا داخل طرفي الحرب، حيث شنَّت المنصات الإعلامية الموالية للجيش، وخاصة التابعة للتيار الإسلامي، حملات ضد الحكومة المزمعة، لكنها ركزت هجومها بشكل أكبر على تحالف “صمود” بقيادة حمدوك، معتبرةً أن القوى المدنية تمثل العدو الأساسي للحركة الإسلامية التي أسقطت حكمهم في 2019.

نظرة القوى المؤيدة للحكومة الجديدة
إبراهيم الميرغني، القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل، وأحد مؤسسي الحكومة المرتقبة، صرّح لـ الشرق الأوسط بأنه يرفض مصطلح “حكومة موازية”، مؤكدًا أن الحكومة الجديدة تسعى لتأسيس “شرعية جديدة” مستمدة من الشعب، وليست معنية بنزع شرعية حكومة لا يعترفون بوجودها أساسًا.

وأضاف أن مهمتها الأساسية ستتمثل في:
وقف الحرب.
تقديم الخدمات الأساسية.
حماية الحقوق الدستورية.
حفظ الأمن والاستقرار.
التصدي لما وصفه بـ”المشروع المتطرف العنصري”.
وأكد الميرغني أن الحكومة الجديدة ستسعى إلى إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول، مع التركيز على مصالح السودان أولًا.

هل يمكن للحكومة الجديدة وقف الحرب؟
يرى د. عبد الناصر الفكي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، في حديثه لـ الشرق الأوسط، أن الحكومة المزمعة قد تنجح في وقف الحرب عبر تنبيه العالم إلى غياب حكومة حقيقية في مناطق واسعة من السودان. لكنه أكد أن نجاحها يعتمد على قدرتها على تقديم الخدمات وإعادة ترتيب المجتمع.

وأضاف الفكي أن “الحرص على وحدة السودان يتطلب اعترافًا متبادلاً وتقاسمًا عادلًا للسلطة والثروة، وإقامة نظام حكم لا مركزي فعال”، مشيرًا إلى أن حكومة بورتسودان تتعامل مع المناطق التي يسيطر عليها “الدعم السريع” كـ”حواضن اجتماعية يجب معاقبتها”، وهو ما يفاقم الأزمة.

تصعيد عسكري محتمل؟
رغم احتمالية نجاح الحكومة الجديدة في فرض نفسها داخليًا، إلا أن الفكي لم يستبعد تصعيدًا عسكريًا من قبل الجيش، خاصة باستخدام الطيران لاستهداف رموزها، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام والتوتر.

موقف “تقدم” وتحذيرات من التقسيم
جعفر حسن، المتحدث السابق باسم “تقدم”، أوضح لـ الشرق الأوسط أن تشكيل حكومة موازية قد يؤدي إلى “شرعنة” حكومة بورتسودان، وهو ما يعارضه التحالف.

كما حذر حسن من أن وجود حكومتين متنافستين، لكل منهما جيش وسلطة على الأرض، قد يكون تمهيدًا فعليًا لتقسيم السودان. لكنه ألقى باللوم في ذلك على سلطة بورتسودان، التي كانت السباقة في “تقسيم الحقوق السيادية” من خلال سياسات مثل تغيير العملة وامتحانات الشهادة السودانية.

إلى أين يتجه السودان؟
في ظل هذا الانقسام الحاد، يواجه السودان خطرًا حقيقيًا يتمثل في انزلاقه نحو نموذج “الدول المتعددة داخل الدولة الواحدة”. وبينما يرى البعض أن الحكومة الجديدة قد تمثل فرصة للخروج من الأزمة، يحذر آخرون من أنها قد تكون خطوة جديدة نحو التقسيم.
في كل الأحوال، يبدو أن المشهد السوداني مقبل على مزيد من التعقيد، حيث تتداخل الأبعاد السياسية والعسكرية والاجتماعية، مما يجعل مستقبل البلاد أكثر غموضًا من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى