
أشارت تحركات حزب الله الأخيرة إلى حالة من التوتر داخل صفوفه، في وقت كان لبنان يحتاج فيه بشكل عاجل إلى تشكيل حكومة جديدة لمواجهة الفراغ السياسي الخطير.
فقد استغل الحزب التصعيد الإسرائيلي الخطير عندما قُتل 21 مدنيًا لبنانيًا وجندي من الجيش اللبناني برصاص القوات الإسرائيلية، خلال عودتهم إلى قراهم الجنوبية، وأكد على لسان النائب عن حزب الله، حسن فضل الله، إلى التأكيد على معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، مشيرًا إلى أن الشعب اللبناني هو من فتح الطريق للجيش في بلدة عيتا الشعب.
تقرير لمركز كالكوم كير- كارنيجي للشرق الأوسط، كشف عن أن حزب الله يحاول إعادة ترسيخ هذه المعادلة منذ ذلك الوقت، في مسعى لتعزيز دوره كشريك مساوٍ للدولة والجيش، إلا أن هذه الخطوة تلقى رفضًا واسعًا داخل الأوساط السياسية اللبنانية.
فقد بدا واضحًا أن الحزب شجّع الجنوبيين على العودة إلى قراهم رغم علمه بأن ذلك قد يستفز إسرائيل لإطلاق النار عليهم، كما يسعى إلى استغلال تأجيل إسرائيل انسحابها من الجنوب اللبناني لإعادة فرض أجندته السياسية.
وفي إطار استعراض القوة، نظّم مناصرو الحزب مواكب دراجات نارية في مناطق غير خاضعة لنفوذه في بيروت، مما أدى إلى اشتباكات مع السكان، وتدخل الجيش لمنع التوترات.
وتشير هذه التحركات إلى صعوبة الحزب المتزايدة في فرض وجوده خارج معاقله التقليدية.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن حزب الله يواجه ضغوطًا داخلية، خاصة من قاعدته الشعبية، التي تتساءل عن مستقبل إعادة إعمار القرى الجنوبية المدمرة.
هذا الأمر يستدعي الإسراع في تشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلف نواف سلام، بدلاً من إطالة أمد الفراغ السياسي الذي قد يستغله الحزب.
لكن تشكيل حكومة توافقية قد يكون تحديًا، خاصة في ظل تعنت حزب الله وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، اللذين يهدفان إلى تقويض العهد الرئاسي الجديد وتحجيم دور قائد الجيش جوزاف عون.
ويبدو أن بري يسعى إلى تعزيز نفوذه السياسي عبر افتعال أزمات داخل الدولة، ليظل الوسيط الرئيسي مع حزب الله.
على الصعيد الدبلوماسي، يحتاج لبنان إلى وزير خارجية قادر على تأمين التزام الولايات المتحدة بضمان انسحاب إسرائيل من الجنوب بحلول 18 فبراير.
فكل يوم إضافي تبقى فيه إسرائيل هناك، يعزز السردية التي يروّج لها حزب الله حول المقاومة.
لذلك، من الضروري أن يتعاون الرئيس جوزاف عون ونواف سلام بشكل وثيق لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، إذ إن الأولوية تكمن في البدء بتنفيذ إصلاحات جوهرية تعيد الثقة بالدولة، بدلًا من الاستمرار في سياسات المراوحة التي يستفيد منها حزب الله.
وفي هذا السياق، كشفت تقارير إعلامية عن تسريبات استخباراتية تُفيد بأن بعض ضباط الجيش اللبناني نقلوا معلومات سرية إلى حزب الله، ما يعكس الحاجة الملحة إلى إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية لضمان تنفيذ قرارات الدولة.
ويبدو أن الرئيس عون يدرك حساسية المرحلة ويسعى إلى إحكام سيطرته على الوزارات الأمنية لضمان تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701.
وتكشف المعطيات أن التوافق مع الدول الداعمة للبنان، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، يفرض على الحكومة المرتقبة اتخاذ قرارات حاسمة بعيدًا عن ضغوط حزب الله وحلفائه.
في المحصلة، لا يبدو أن حزب الله مستعد للتخلي عن نفوذه بسهولة، لكن تشكيل حكومة قوية قادرة على فرض سيادة الدولة هو السبيل الوحيد لمنع الحزب من استغلال حالة الفراغ السياسي لمصلحته.