Podcast Icon
سياسة

حزب الله في مواجهة العاصفة: بين استنزاف المعارك وضغوط الأزمة المالية

يعيش حزب الله واحدة من أصعب مراحله السياسية والعسكرية منذ تأسيسه، إذ لم يقتصر الأمر على خسائره البشرية الفادحة نتيجة الضربات الإسرائيلية الأخيرة، بل امتد ليشمل تحديات اقتصادية غير مسبوقة تهدد نفوذه في مناطقه التقليدية. فبينما يعاني جنوب لبنان من دمار واسع نتيجة الحرب، يجد الحزب نفسه أمام معركة جديدة لكسب ولاء قاعدته الشعبية عبر شبكة مالية متماسكة، وبرامج تعويضات مدروسة، واستراتيجيات إعلامية متطورة، لكن يبقى السؤال، هل تكفي هذه الجهود لتعويض التراجع العسكري والسياسي، أم أن نفوذ الحزب بدأ بالتآكل؟

شبكة مالية لتعويض المتضررين.. ولكن بشروط
وفقًا لتحقيق نشرته فايننشال تايمز، يعتمد حزب الله على نظام اقتصادي موازٍ لإدارة عمليات إعادة الإعمار، حيث أوكل مهمة إصلاح المنازل المتضررة إلى مؤسسة “جهاد البناء”، بينما تتولى مؤسسة “القرض الحسن” توزيع التعويضات المالية للمتضررين.

في خطوة تعكس المركزية الصارمة للحزب في توزيع الدعم، كشفت الصحيفة عن رسائل واتساب رسمية أرسلها مسؤول محلي بالحزب لسكان إحدى القرى الجنوبية، تضمنت قوائم بأسماء المستفيدين ومواعيد استلام الشيكات. في إحدى الرسائل، خاطبهم المسؤول قائلاً: “هذه فقط الشيكات التي وصلت حتى الآن، لا أحد يشتكي إذا لم يجد اسمه”، في إشارة واضحة إلى الضغط الهائل الذي يواجهه الحزب في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية.

تعويضات مالية متفاوتة.. وغضب شعبي
بحسب مصادر داخل الحزب، وزّع حزب الله حوالي 400 مليون دولار على 140 ألف شخص، حيث حصل المتضررون الذين دُمرت منازلهم بالكامل على مبالغ تراوحت بين 12,000 و14,000 دولار، وهي بالكاد تكفي لإيجار منزل جديد لعام واحد وتأثيثه بشكل محدود.

لكن هذه التعويضات لم تكن كافية لاحتواء الغضب الشعبي، خاصة مع فرض الحزب شروطًا بيروقراطية معقدة لاستلام المساعدات، مثل تقديم إيصالات ملكية وأوراق رسمية، ما أثار اتهامات بأنه يتحكم في تدفق الأموال لتقليل المدفوعات أو تأخيرها.

أحمد، أحد المتضررين من بعلبك، عبّر عن استيائه قائلاً: “الأضرار في شقتي لا تقل عن 10,000 دولار، لكنهم أعطوني فقط 2,500 دولار! نعيش وسط الركام ونحاول الإصلاح بأنفسنا، حتى المياه الجارية مقطوعة عنّا!”

أزمة مالية.. وانحسار الدعم الإيراني
لم تعد إيران قادرة على دعم حزب الله ماليًا كما في السابق، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الداخلية التي تعانيها طهران، إلى جانب فقدان الحزب لأحد أهم خطوط إمداده عبر سوريا، مع سقوط نظام بشار الأسد.

ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن القصف الإسرائيلي الأخير ألحق أضرارًا مادية لا تقل عن 3.4 مليار دولار، مما جعل عمليات إعادة الإعمار أكبر من قدرة حزب الله المالية.

في هذا السياق، صرّح نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، في ديسمبر الماضي: “إعادة الإعمار مسؤولية الحكومة، ونحن سنكون إلى جانبها”.
هذه التصريحات تكشف عن محاولة الحزب نقل عبء إعادة الإعمار إلى الدولة اللبنانية، رغم إدراكه أن الحكومة نفسها تعاني من أزمة مالية خانقة.

لكن المعضلة الأكبر أن الدعم الدولي لإعادة الإعمار قد لا يمر عبر قنوات الحزب، إذ تسعى الدول الغربية والخليجية إلى تمويل الحكومة اللبنانية مباشرة، مما قد يحرم الحزب من إحدى أهم أدواته في السيطرة على المجتمع الشيعي في لبنان.

هل بدأ نفوذ حزب الله بالتراجع؟
سياسيًا، تعرض حزب الله لضربة قاسية مع انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء غير مواليين له بالكامل، مما يعكس تحولات في المشهد السياسي اللبناني قد تؤدي إلى تقليص نفوذه تدريجيًا.

أما عسكريًا، فرغم احتفاظه بقدراته القتالية، إلا أن الاستنزاف المستمر بسبب الضربات الإسرائيلية، إلى جانب الضغوط الاقتصادية، قد يجبره على إعادة النظر في استراتيجيته.

ومع ذلك، لا يزال الحزب يمتلك شبكة تنظيمية متماسكة، حيث يراهن على قدرته في احتواء الغضب الشعبي عبر تعزيز الدعم الاجتماعي وإدارة الموارد المتاحة بحذر.

حسين كمال الدين، مسؤول محلي بالحزب في صريفا، أوضح للصحيفة أن الحزب يركز الآن على “كسب الوقت”، قائلاً: “نحن ندرك أن الاستنزاف العسكري قد يطول، لذلك نعمل على تهدئة الوضع داخليًا، ولدينا مؤسسات قادرة على الصمود”.

هل يستطيع حزب الله الحفاظ على موقعه؟
بين الضغوط العسكرية، والأزمة المالية، والمنافسة السياسية المتزايدة، يواجه حزب الله أكبر اختبار في تاريخه، فإما أن ينجح في إعادة ترتيب أوراقه، أو أن يبدأ نفوذه الذي استمر لعقود في التراجع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى