حرب المعلومات في السودان.. كيف تُستخدم الشائعات والظهور الإعلامي لتحقيق مكاسب سياسية؟

أثار مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً في السودان، إذ يظهر مجموعة من المقاتلين يرتدون الزي العسكري داخل مسجد بالقرب من منزل الرئيس المعزول عمر البشير في ضاحية كافوري بشرق الخرطوم، وهم يهتفون “هؤلاء هم أولاد البشير”. جاء هذا الفيديو وسط تصاعد التساؤلات حول الهدف الحقيقي من الظهور الإعلامي المكثف للمجموعات القتالية التي تحارب إلى جانب الجيش منذ اندلاع النزاع في منتصف أبريل 2023.
تداول هذا المقطع جاء بعد أقل من أسبوعين على تصريحات قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، التي أكد فيها أن الجيش لن يسمح بعودة حزب المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم في عهد البشير – إلى السلطة على حساب ضحايا الحرب. كما سبقت ذلك تحذيرات مشددة من نائبه شمس الدين الكباشي للمجموعات المقاتلة بعدم استغلال الحرب لرفع شعارات سياسية.
لكن مع استمرار الظهور الإعلامي المكثف لهذه المجموعات، برزت تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على المشهد السياسي والعسكري في السودان، ودور التضليل الإعلامي في تأجيج الصراع.
الإعلام كسلاح في ساحة المعركة
منذ بداية القتال، اعتمدت منصات إعلامية محسوبة على التيار الإسلامي استراتيجية تمجيد “المجاهدين وكوادر الحركة الإسلامية”، وروّجت لدورهم في المعارك، حتى إن بعضها ذهب إلى اعتبار ذلك بداية لعودة الإخوان للحكم، مع نهاية أي دور للأحزاب السياسية التي أطاحت بالبشير في أبريل 2019.
لكن هذا الظهور الإعلامي المكثف لم يمر دون تداعيات، حيث رأى محللون أنه أضرّ بصورة الجيش كمؤسسة قومية، وحوّله إلى ساحة لصراعات سياسية.
وفي هذا السياق، تقول الكاتبة صباح محمد الحسن إن “الظهور الإعلامي المتكرر للكتائب الإخوانية ليس مجرد صدفة، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لتحقيق مكاسب سياسية”. وتضيف في حديثها لموقع سكاي نيوز عربية: “منذ سقوط نظامهم في 2019، اعتمد الإخوان على ثلاث أدوات رئيسة لتهيئة المسرح لعودتهم، وهي: النفوذ المالي، الإعلامي، والعسكري، وهي شبكات بناها التنظيم خلال ثلاثة عقود”.
حرب الشائعات والتضليل الإعلامي
إلى جانب الظهور الإعلامي الممنهج، تنشط مجموعات موالية للإخوان في نشر الأخبار المضللة، مستغلة شبكات تواصل اجتماعي مترابطة.
ووفقاً لتقارير مؤسسات متخصصة في رصد الشائعات، فقد تم توثيق أكثر من 1350 صفحة ومنصة تعمل على نشر أخبار كاذبة من داخل السودان وخارجه، بهدف تحقيق مكاسب معنوية، والتأثير على الرأي العام، والتغطية على انتهاكات تحدث خلال الحرب.
ويشير تقرير صادر عن “مرصد بيم” إلى أن هذه الشبكات تمكّنت من اختراق منصات كبرى مثل فيسبوك وإكس، مما جعلها أدوات فعالة لترويج المعلومات المضللة. وقد أدى ذلك إلى قيام بعض المنصات بحظر المئات من الحسابات، لكن لا تزال هناك شبكات تعمل بأساليب متجددة وتغيير مستمر لأسماء الحسابات.
كيف تعمل هذه الشبكات؟
بحسب تقرير “بيم”، تعتمد هذه الشبكات على خمس صفحات رئيسية على الأقل على مختلف المنصات، معظمها يُدار من خارج السودان، بينما يُدار بعضها بطريقة آلية. السمة المشتركة لهذه الحسابات هي الترويج للحرب، واستهداف القوى المدنية التي تدعو إلى وقف القتال.
ويقول الصحفي المتخصص في مكافحة التضليل، محمد المختار محمد، لموقع سكاي نيوز عربية: “تعتمد هذه الشبكات على استراتيجية الضخ المتواصل والمكثف للمعلومات المضللة لضمان انتشارها”. ويضيف: “تفاعل هذه الحسابات مع بعضها البعض يعزز مصداقية الأخبار الكاذبة، ويجعلها تبدو وكأنها حقيقة لدى الجمهور”.
أهداف الشائعات والتضليل الإعلامي
يُظهر تقرير “بيم” أن شبكات التضليل هذه تعمل وفق أجندة منظمة تستهدف القوى المدنية التي أسقطت حكم المؤتمر الوطني في 2019، كما تسعى لتبرير استمرار الحرب عبر تصوير أي دعوات للسلام على أنها دعم للطرف الآخر.
وفي هذا السياق، يرى الباحث يوسف الأمين أن “الإخوان استخدموا التضليل الإعلامي كأحد أقوى أدواتهم خلال الحرب، وخصصوا له ميزانيات ضخمة وحشدوا له كوادر إعلامية محترفة”.
ويضيف الأمين في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية: “تعتمد هذه الشبكات على مبدأ تكرار الكذبة حتى تصبح حقيقة في وعي الناس، وذلك من خلال إعادة تدويرها عبر الوسائط الاجتماعية”.
ويشير إلى أن “الحرب الحالية أتاحت للإخوان فرصة ذهبية لخلط الأوراق، واستغلال الفوضى لتشويه البديل المدني، عبر تصوير موقفه الرافض للحرب على أنه خيانة”.
الشائعات.. أضرار لا تقل عن القتال المسلح
وفقاً لبيانات منصة “جهينة”، المتخصصة في كشف المعلومات المضللة، فقد ارتفع معدل الأخبار الكاذبة التي يتم التحقق منها من خبرين أسبوعياً قبل الحرب، إلى نحو 4 أخبار يومياً بعد اندلاعها.
ويقول عمر أحمد، مشرف فريق “جهينة”، لموقع سكاي نيوز عربية: “تحققنا من أكثر من 650 شائعة منذ اندلاع الحرب”.
ويحذّر من خطورة انتشار الشائعات، قائلاً: “التضليل الإعلامي ليس مجرد أداة لنشر الأخبار الكاذبة، بل هو وسيلة فعالة لخلق الارتباك بين الناس، وإبعادهم عن الحقيقة، أو التغطية على انتهاكات تحدث على الأرض”.
إلى أين يتجه المشهد؟
مع استمرار الحرب الإعلامية بالتوازي مع النزاع المسلح، تزداد التساؤلات حول مدى تأثير هذه الحملات على مجريات الصراع في السودان.
فبينما يسعى الجيش للحفاظ على صورته كمؤسسة وطنية، يبدو أن التيار الإسلامي يحاول استغلال الحرب كفرصة لإعادة ترتيب أوراقه، مستخدماً الإعلام والتضليل لتحقيق أهدافه السياسية.
وبين الحقيقة والدعاية، تبقى الحرب الإعلامية أداة لا تقل خطورة عن الأسلحة في ميدان المعركة، حيث تحسم العقول والمعلومات أحياناً ما تعجز عنه البنادق.