Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

تسريح الموظفين في سوريا.. تداعيات سياسية محتملة

مع كل قرار جديد يصدر عن الحكومة الانتقالية في سوريا، تتزايد حيرة الشارع السوري الذي لم يعتد على هذه التصنيفات والمعايير المستحدثة.

وبينما تتفاوت المواقف بين مؤيد ومعارض لهذه السياسات، تبقى لقمة العيش الشغل الشاغل للمواطنين، وسط تطلعات نحو الأمن والاستقرار بعد الأحداث التي عصفت بالبلاد.

في هذا السياق، تناولت صحيفة “النهار” اللبنانية، قرار تسريح عدد كبير من موظفي القطاع العام الذي أثار جدلًا واسعًا، إذ اعتبرته الحكومة جزءًا من عملية “إعادة الهيكلة الإدارية”، فيما رأى معارضوه أنه خطوة تعسفية غير مبررة، خاصة وأنها جاءت في الأسابيع الأولى التي تلت سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر 2024.

قرارات تحت المجهر:

بدأت عمليات التسريح بقرارات وزارية طالت مختلف المؤسسات الحكومية، حيث تم تقليص أعداد الموظفين استنادًا إلى توجيهات من الوزراء المعنيين.

إلا أن خبراء قانونيين أشاروا إلى أن الفصل التعسفي للموظفين يتعارض مع قانون العاملين في الدولة، الذي ينص على أن قرار الفصل لا يُتخذ إلا من قبل رئيس مجلس الوزراء، وبناءً على توصية لجنة تضم وزراء العدل والشؤون الاجتماعية والعمل، إلى جانب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية.

ورغم إعلان الحكومة عن زيادة مرتقبة للرواتب بنسبة 400%، والتي يُفترض أن تُمول من خزينة الدولة والمساعدات الإقليمية، فإن هذه الوعود تزامنت مع موجة تسريح طالت آلاف الموظفين في مختلف القطاعات، مما أثار المخاوف من تحول هذه الزيادة إلى مجرد وعود غير قابلة للتطبيق.

بين التأييد والرفض:

يرى البعض أن هذه الإجراءات ضرورية لمعالجة مشكلة الفائض الوظيفي، حيث اتُهم النظام السابق بتوظيف الآلاف بناءً على الولاءات السياسية دون الحاجة الفعلية إليهم.

في المقابل، يؤكد المنتقدون أن الحكومة الانتقالية ليست مخولة باتخاذ قرارات مصيرية بهذا الحجم، كونها مجرد حكومة تصريف أعمال تفتقر إلى الإجماع الوطني.

تنوع الأساليب وتداعيات التنفيذ:

لم يكن قرار التسريح موحدًا في طريقة تنفيذه، حيث تم منح بعض الموظفين إجازات إجبارية لعدة أشهر، بينما أُنهيت عقود آخرين بشكل كامل، ومن بينهم ذوو الشهداء والمسرحون من الخدمة العسكرية.

كما تم فصل أعداد كبيرة من دون تقديم أسباب واضحة، مثلما حدث في وزارة النقل، حيث فقد نحو 17% من الموظفين وظائفهم، وكذلك في وزارات الصحة والصناعة والتنمية الإدارية.

أما في القطاعات الأمنية والعسكرية، التي تضم نحو 1.3 مليون موظف، فلا يزال مصير هؤلاء مجهولًا، رغم خضوع العديد منهم لتسويات قانونية تثبت عدم تورطهم في أي انتهاكات.

تأثيرات اقتصادية واجتماعية:

يأتي هذا التسريح في ظل أوضاع معيشية صعبة، حيث إن الرواتب لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، مما دفع محللين اقتصاديين للتحذير من أن قطع مصدر الدخل عن آلاف العائلات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الجريمة والعنف نتيجة البطالة المتزايدة.

أصوات احتجاجية:

لم تمر هذه القرارات مرور الكرام، فقد شهدت عدة مدن احتجاجات من الموظفين المسرحين، حيث رفعوا لافتات تندد بالقرارات وتطالب بإعادتهم إلى وظائفهم.

وامتدت الاعتصامات إلى العاملين في القطاعات الصحية والتعليمية والإعلامية وحتى الزراعية، بينما وجد العديد من عناصر الشرطة أنفسهم في وضع مماثل بعد تسريحهم من وظائفهم.

وفي خطوة لتهدئة الأوضاع، أصدرت وزارة الزراعة قرارًا يمنح الموظفين المسرحين إجازات مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، إلا أن المحتجين اعتبروا هذه الخطوة تمهيدًا لفصلهم نهائيًا.

تصريحات تزيد الغموض:

ورغم التطمينات التي أطلقها مدير التنمية البشرية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، الذي أكد أنه لن يكون هناك تسريح جماعي بعد انتهاء فترة الإجازات المدفوعة، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى عكس ذلك.

فقد أنهت الحكومة عمل نحو 10 آلاف موظف في وزارة الإعلام وحدها، من بينهم 7 آلاف من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

وفي ظل هذه التناقضات، يتساءل الموظفون عن مستقبلهم المهني والاقتصادي، وسط غياب وضوح الرؤية وعدم توفر قنوات قانونية للطعن في هذه القرارات.

ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى زيادة معدلات الفقر وتعميق الأزمة الاقتصادية، مما قد ينعكس على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد.

فالتاريخ يشير إلى أن الإخفاق في معالجة الأزمات المعيشية قد يكون شرارةً لاضطرابات جديدة.

وبينما لا تزال الحكومة الانتقالية تمضي قدمًا في خططها، يبقى التساؤل الأهم: هل ستتمكن من تحقيق توازن بين الإصلاح الإداري وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين؟ أم أن هذه القرارات ستفتح الباب أمام أزمة جديدة قد تعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى