
حمل نقل روسيا للقوات والمعدات إلى شرق ليبيا بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، العديد من التساؤلات التي حاول المجلس الأطلسي الإجابة عليها.
وأشار تقرير حديث نشره موقع المجلس للباحث عماد الدين بادي، إلى أن تحول موسكو إلى برقة في شرق ليبيا، يعد إعادة تقويم استراتيجية، حيث ينتظر قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، الذي بات محط أنظار الدول الغربية لمنع التموضع البحري المرتقب لروسيا في البحر الأبيض المتوسط.
ويرى بادي أن تحول موسكو إلى ليبيا يعبر عن منطق أعمق في السياسة الخارجية الروسية، ولا يتعلق الأمر باستبدال وكيل بآخر ولكن بالاستمرارية.
فقد كانت عمليات موسكو في سوريا تتعلق بمقاومة الغرب وتأمين مكاسب ملموسة، وهو ما تجسد عندما حلقت الطائرات الروسية من قاعدة حميميم الجوية إلى ليبيا في عام 2019 لدعم هجوم حفتر على طرابلس، والذي كان بروفة هادئة للتحول الاستراتيجي الأوسع نطاقا في الوقت الراهن.
هذا الطموح في البحر الأبيض المتوسط ليس جديدا، بحسب الباحث، الذي لفت إلى أنه يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر، عندما أنشأت روسيا أسطولها البحري في البحر الأبيض المتوسط لتحدي الهيمنة العثمانية وإظهار القوة.
في حين أن دور موسكو في سوريا قد يتطور بدلا من أن يختفي، فإن الديناميكيات المتغيرة المحيطة باستخدامها كمنصة انطلاق لأفريقيا تؤكد فقط على أهمية ليبيا – ليس كبديل، ولكن كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لتوسيع موطئ قدم موسكو الاستراتيجي في المنطقة وعرض قوتها خارجها.
بادي أكد في تقريره أن حفتر قدم فرصة لروسيا لتعطيل المصالح الغربية، واستغلال السياسة الليبية المنقسمة، وتوسيع نفوذ موسكو في أفريقيا. ومع ذلك، فهو مثل بشار، ليس لديهم من الأدوات المطلوبة لروسيا، كما أن قوته المتصورة تخفي نقاط الضعف العميقة.
إن إهمال الغرب خلال المرحلة الانتقالية في ليبيا – الذي تميز بفك الارتباط الأمريكي والأجندات الأوروبية المتضاربة – مكن روسيا (وتركيا) من تأكيد الهيمنة. وعلى الرغم من ذلك، تلعب واشنطن الآن دور اللحاق بالركب، في محاولة لفصل حفتر عن قبضة موسكو، تكشف هذه الاستراتيجية عن سوء فهم للديناميكيات القائمة، فضلا عن المفهوم الخاطئ حول قدرة أصحاب المصلحة الغربيين على استبدال ما تقدمه موسكو لحفتر – الدعم العسكري واللوجستي والمالي الذي لم يكن الغرب مستعدا ولا مجهزا لتقديمه.
وتؤكد نظرة الكرملين أن حفتر “نمر ورقي غير موثوق به”، وهو ما يفسر انسحاب عملاء فاغنر تكتيكيا في الهجوم على طرابلس، مما عرض قواته لانسحابات فوضوية وخسائر مذلة.
ورغم ذلك، وصل اعتماد حفتر على موسكو إلى مستويات جديدة بعد هزيمته في طرابلس، فقد أصبحت طائرات فاغنر المقاتلة من طراز ميج المتمركزة في قاعدة الجفرة الجوية والقوات في قاعدة الغرادبية الجوية شريان حياة للجيش الوطني الليبي.
وأخيرا انتهى التقرير إلى أنه سواء نجحت روسيا في محورها المتوسطي أم لا، فإن الدرس المستفاد من الغرب واضح: إن اللحاق بالركب في لعبة خسرت بالفعل لا يخدم أحدا.
وتؤكد الإخفاقات في كل من سوريا وليبيا على مخاطر إهمال التدخل المبكر والاستراتيجية المتسقة، لتجنب تكرار هذه الأخطاء، يجب على الغرب أن يتعلم ليس فقط التصرف بشكل حاسم ولكن أيضا إعطاء الأولوية للاستقرار على الانتهازية. وهذه ليست مجرد قضية إقليمية، بل هي رمز لصراع أوسع نطاقا على المبادئ التي ستحدد النظام العالمي في السنوات القادمة.