
في تطور لافت يعكس تصاعد التوتر بين الجيش السوري وحزب الله اللبناني، شنت القوات السورية هجمات على مواقع تابعة للحزب بعد اتهامه باختطاف ثلاثة جنود سوريين وقتلهم داخل الأراضي اللبنانية.
هذا التصعيد، الذي يوصف بأنه غير مسبوق، يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الطرفين، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية الأخيرة.
اغتيال الجنود السوريين.. شرارة المواجهة
فقد أعلنت وزارة الدفاع السورية، أمس الأحد، أن مجموعة تابعة لحزب الله اللبناني قامت بنصب كمين لثلاثة عناصر من الجيش السوري على الحدود اللبنانية، حيث تم اختطافهم واقتيادهم إلى الأراضي اللبنانية قبل تصفيتهم هناك.
ووصفت الوزارة في بيان رسمي الحادثة بأنها “تصعيد خطير” وتعهدت باتخاذ “جميع الإجراءات اللازمة للرد على هذا الاعتداء”.
في المقابل، سارع حزب الله إلى نفي مسؤوليته عن الحادثة، مؤكداً أنه “لا علاقة له بأي أحداث تجري داخل الأراضي السورية”.
القصف المتبادل.. بداية تصعيد عسكري؟
لم تتوقف التوترات عند حدود البيانات الرسمية، حيث رد الجيش السوري بشن قصف صاروخي استهدف مواقع في بلدة القصر اللبنانية الحدودية، وهي منطقة تعد أحد معاقل حزب الله.
وأفادت مصادر أمنية لبنانية بأن عدة قذائف مصدرها الأراضي السورية سقطت في البلدة، ما أدى إلى حالة من الذعر بين السكان.
في المقابل، قالت مصادر أمنية لبنانية إن التوتر بدأ إثر دخول ثلاثة عناصر من الأمن العام السوري إلى الأراضي اللبنانية، حيث تعرضوا لإطلاق نار من قبل أفراد عشائر تنشط في مجال التهريب.
وبعد مقتلهم، سُلِّمت جثثهم إلى الجيش اللبناني، الذي قام بدوره بتسليمها إلى الجانب السوري عبر الصليب الأحمر اللبناني.
خلفيات التوتر.. هل بدأ التحول؟
لطالما كان حزب الله أحد الداعمين الرئيسيين للنظام السوري منذ اندلاع الحرب الأهلية، ولعب دوراً محورياً في بقاء الرئيس السابق بشار الأسد في السلطة قبل الإطاحة به في هجوم مفاجئ قادته هيئة تحرير الشام في ديسمبر الماضي.
ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة قد تعكس تحولاً في ديناميكيات العلاقة بين الطرفين.
خلال الشهر الماضي، أعلنت السلطات الجديدة في سوريا عن حملة أمنية واسعة في محافظة حمص، بهدف القضاء على شبكات التهريب وإغلاق الطرق غير الشرعية المستخدمة لنقل الأسلحة والبضائع.
وفي هذا السياق، وُجهت اتهامات مباشرة لحزب الله برعاية هذه الأنشطة، مما يشير إلى توتر متزايد بين دمشق وحزب الله، الذي كان يتمتع بحرية الحركة داخل الأراضي السورية خلال السنوات الماضية.
إيران في المشهد.. حسابات معقدة
لا يمكن فصل هذه المواجهة عن المشهد الإقليمي الأوسع، حيث تلعب إيران دوراً محورياً في دعم كل من الحكومة السورية وحزب الله.
ومع ذلك، فإن التغييرات السياسية داخل سوريا والتوجه نحو ضبط الحدود قد يشكلان نقطة خلاف بين دمشق وطهران.
فمن جهة، تسعى الحكومة السورية الجديدة إلى فرض سيادتها الكاملة على أراضيها وتقليل النفوذ الخارجي، بما في ذلك نفوذ حزب الله.
ومن جهة أخرى، تجد إيران نفسها أمام معادلة معقدة، حيث تحاول موازنة علاقتها مع دمشق دون التضحية بحزب الله، الذي يعد إحدى أهم أذرعها في المنطقة.
هل نشهد تصعيداً أكبر؟
رغم محاولات ضبط التوتر، إلا أن المشهد الحالي ينذر بمزيد من التصعيد.
فالقصف السوري على مواقع داخل لبنان، حتى وإن كان محدوداً، يمثل تحولاً خطيراً قد يؤدي إلى رد فعل من قبل حزب الله، ما يفتح الباب أمام مواجهة مباشرة لم تكن واردة سابقاً.
وفي ظل التغيرات الإقليمية والحسابات المعقدة لكل من سوريا، حزب الله، وإيران، يبقى السؤال المطروح: هل نحن أمام بداية قطيعة بين دمشق وحزب الله، أم أن هذه المواجهة ستظل مجرد مناوشات محدودة لن تؤثر على التحالف الاستراتيجي بينهما؟ الأيام القادمة قد تحمل الإجابة.