Podcast Icon
سياسة

تحليل: عودة ترامب والعراق بين تحولات السياسة الأميركية والصراع الإيراني

الباحث والكاتب العراقي صباح ناهي – موقع اندبندنت عربية

على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يشر خلال خطاب توليه الرئاسة إلى العراق أو إلى المواجهة الأميركية مع إيران، إلا أن خطابه حمل في طياته إشارات واضحة إلى فشل سياسات سلفه جو بايدن في كبح التمدد الإيراني في المنطقة، وعلى رأسها العراق. فمنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، فرضت الولايات المتحدة نظاماً سياسياً جديداً، لكنها فشلت في تحويل العراق إلى دولة ناجحة، مما أدى إلى تعاظم النفوذ الإيراني عبر أذرعها المسلحة داخل البلاد.

ترامب وإدانة الغزو الأميركي للعراق

خلال ولايته الأولى (2017-2021)، لم يتوانَ ترامب عن انتقاد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، معتبراً إياه “أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة”، إذ أدى إلى فوضى عارمة وساهم في تعزيز النفوذ الإيراني داخل العراق بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2011. ووفقاً لرؤيته، فإن إسقاط الدولة العراقية دون خطة بديلة سمح لإيران بزرع تشكيلات مسلحة موالية لها، ما أدى إلى إضعاف مشروع الدولة العراقية وتحويله إلى “اللادولة”.

تحديات العراق في ظل عودة ترامب

السؤال المطروح اليوم هو: هل ستتغير توجهات ترامب تجاه العراق في ولايته الثانية؟ يرى الباحث هيثم نعمان الهيتي من جامعة “أستر” البريطانية أن ترامب لا يمثل مجرد رئيس جمهوري تقليدي، بل يحمل رؤية سياسية مختلفة حتى عن حزبه. إذ يمثل تيار “ماغا” (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) الذي يضع مصالح الولايات المتحدة فوق كل اعتبار.

ويشير الهيتي إلى أن ترامب قد يطلب من مؤسستي المخابرات والدفاع الأميركيتين إعداد تقارير حول السيناريوهات المختلفة لإعادة صياغة الوضع في العراق، والتي قد تتضمن تغييراً سياسياً جذرياً أو إعادة تشكيل النظام الحاكم عبر دعم قوى بديلة.

سياسة أميركية جديدة تجاه العراق

بعد مرور أكثر من 20 عاماً على الغزو، يبدو أن هناك توجهاً أميركياً جديداً إزاء العراق، يهدف إلى إزالة اللون الرمادي الذي يطبع العلاقة بين بغداد وواشنطن. السيناريوهات المتوقعة تتراوح بين إزاحة النخبة السياسية العراقية بالكامل أو تصفية بعض الشخصيات النافذة داخل النظام، أو حتى اللجوء إلى تغيير ثوري عبر ضغوط اقتصادية وعسكرية.

تحذيرات أميركية للميليشيات الموالية لإيران

تشير التقارير إلى أن الإدارة الأميركية بقيادة ترامب قد تلجأ إلى فرض عقوبات صارمة على إيران للحد من نفوذها في العراق، إضافة إلى توجيه تحذيرات مباشرة لحكومة بغداد بضرورة حل الميليشيات الموالية لطهران تحت طائلة التدخل العسكري المباشر. وقد أكد مستشار الرئيس الأميركي مايك ويلز أن هناك نية لفرض عقوبات حاسمة على إيران، بما في ذلك شن هجمات عسكرية ضدها وضد حلفائها في العراق.

زيارة السوداني إلى طهران: مواجهة الضغوط الأميركية

خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، تلقى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني رفضاً قاطعاً من المرشد الإيراني علي خامنئي لأي محاولات لحل الميليشيات المسلحة، ما دفع الحكومة العراقية إلى اقتراح دمج هذه الفصائل داخل القوات المسلحة العراقية كحل وسط، وهو ما قوبل برفض من بعض التشكيلات الكبرى مثل “حزب الله العراقي”.

العراق بين الضغوط الأميركية والواقع الجيوسياسي

يرى الباحث السياسي والاقتصادي ناجي الغزي أن العراق قد يواجه ضغوطاً اقتصادية كبيرة إذا لم يستجب للمطالب الأميركية، مثل فرض عقوبات على وارداته من الغاز والكهرباء الإيرانية، أو دفعه للبحث عن بدائل عبر دول الخليج. كما قد تدفع واشنطن باتجاه تعزيز الاستثمارات الأميركية في البنية التحتية وقطاع النفط العراقي للحد من النفوذ الإيراني، إضافة إلى تعزيز الشراكة الأمنية بين العراق وأميركا.

ازدواجية الخطاب العراقي والتناقضات في السياسة الخارجية

يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل أن العلاقات العراقية – الأميركية تزداد تعقيداً بسبب التناقض بين الخطاب الرسمي للحكومة العراقية الذي يعلن تحالفه مع واشنطن، وبين الواقع الفعلي الذي يشير إلى ارتباطها الوثيق بإيران. ووفقاً لفيصل، فإن واشنطن تعتبر إيران “الدولة الأولى الراعية للإرهاب”، مما يجعل أي تعامل بين العراق وطهران في نظرها يمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية.

جرس الإنذار الأخير: العراق أمام خيارات صعبة

في ظل عودة ترامب، يجد العراق نفسه أمام مفترق طرق حاسم، إذ يواجه ضغوطاً أميركية متزايدة للتخلص من النفوذ الإيراني، وفي الوقت نفسه، لا يمكنه فك ارتباطه مع طهران بسهولة نظراً للروابط الاقتصادية والجغرافية والدينية العميقة بين البلدين. فهل سيتمكن العراق من تحقيق توازن في علاقاته بين واشنطن وطهران، أم أنه سيضطر للانحياز إلى أحد الطرفين؟ الإجابة ستتضح في ظل سياسة ترامب القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى