
منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي هجومًا واسعًا في شمال الضفة الغربية، اضطر آلاف الفلسطينيين للنزوح من منازلهم في مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ومناطق أخرى.
جاء ذلك بعد فترة قصيرة من سريان اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في غزة، وسط مخاوف من تصعيد جديد يطال الضفة الغربية.
عند مدخل مخيم جنين، وقف بعض السكان يراقبون من بعيد حركة سيارات الإسعاف الفلسطينية والمركبات العسكرية الإسرائيلية.
بينما شوهد آخرون وهم يحملون ما تمكنوا من جمعه من أمتعة، بوجوه تعكس الإرهاق والخوف. علاء عبوشي، أحد سكان المخيم، قدم القهوة العربية للصحفيين قائلاً: “لقد انتهوا من غزة، والآن جاءوا إلينا في الضفة للانتقام. كمدنيين، لا نشعر بالأمان هنا”.
عملية عسكرية موسعة في جنين:
في 21 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن “عملية عسكرية واسعة ومهمة” في جنين، معتبرًا مخيم اللاجئين هناك معقلًا للمسلحين الفلسطينيين.
ومنذ ذلك الحين، توسع نطاق العمليات العسكرية ليشمل مناطق أخرى، أبرزها مدينة طولكرم، التي تضم مخيمين للاجئين، هما طولكرم ونور شمس.
تصاعد العنف والدمار:
تزامنت العمليات العسكرية الأخيرة مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وسط توقعات بإعلان موقف رسمي بشأن خطط إسرائيل لضم الضفة الغربية.
وأسفرت الهجمات الجوية والعمليات البرية عن تدمير واسع للبنية التحتية، وهدم منازل، وتهجير الآلاف، فضلًا عن مقتل واعتقال العشرات.
في 29 يناير/كانون الثاني، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قائلاً: “نعمل بكل قوة في مخيم جنين للقضاء على الإرهاب وتدمير بنيته التحتية، ولن يعود المخيم كما كان سابقًا”.
وأضاف أن الجيش سيظل متمركزًا هناك لضمان عدم عودة التهديدات الأمنية.
ضحايا ونزوح جماعي:
وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أسفرت العمليات الإسرائيلية عن مقتل 39 فلسطينيًا، بينهم 25 في جنين، و10 في طوباس، و4 في طولكرم.
وشملت الضحايا مسلحين ومدنيين، من بينهم امرأة حامل وطفل صغير. كما أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بمقتل أكثر من 60 فلسطينيًا واعتقال أكثر من 210 آخرين خلال العملية.
معاناة المدنيين وتزايد الاقتحامات:
أم محمد، إحدى سكان مخيم طولكرم، أكدت أن الاقتحامات العسكرية أصبحت أكثر عنفًا مع كل مرة. وقالت لـ DW: “نعيش تحت قصف مستمر، إطلاق النار في كل مكان، وأخيرًا أجبرونا على مغادرة منازلنا”. الآن، تعيش مع عائلتها في نادٍ رياضي محلي يؤوي النازحين، بينما يحاول الأطفال مواصلة تعليمهم عبر الإنترنت.
أما أحمد، ابنها المقعد، فقد اشتكى من تقييد حركته بعد أن دُمرت الطرق وتضررت بنيتها التحتية. وأضاف: “يقولون إنهم يستهدفون المسلحين، لكن لماذا نُطرد من منازلنا؟ بأي حق يمنعونني من مغادرة المخيم؟”.
إغلاق الضفة وتصاعد المعاناة:
العملية العسكرية رافقها إغلاق العديد من نقاط التفتيش الإسرائيلية، مما أدى إلى تعطل الحياة اليومية لما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني.
وأكد الجيش الإسرائيلي أنه “بناءً على توجيهات القيادة السياسية، تقرر تعزيز التفتيش على الحواجز في الضفة الغربية”.
وفي طولكرم، حيث أغلقت عدة طرق رئيسية، تعيش أم محمد في قلق دائم ليس فقط بشأن مستقبلها، بل حتى على حيواناتها الأليفة التي تركتها في منزلها. وقالت: “تركنا لها بعض الطعام، لكن مرّ أكثر من أسبوع، وأخشى أن أعود وأجدها قد ماتت”.
مستقبل غامض بانتظار الفلسطينيين:
مع استمرار العمليات العسكرية واتساع رقعة الدمار، يخشى الفلسطينيون من أن تصبح الضفة الغربية ساحة صراع طويلة الأمد، على غرار ما حدث في غزة. وفي ظل غياب أفق لحل سياسي يوقف التصعيد، تبقى حياة آلاف العائلات الفلسطينية رهينة التطورات الميدانية والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية.