الضربة الإسرائيلية على إيران: ديناميكية القوة الجديدة في الشرق الأوسط
في تصعيد كبير للأعمال العدائية، تشير الضربات الإسرائيلية الأخيرة على المنشآت العسكرية الإيرانية إلى نقطة تحول حاسمة في الصراع الإسرائيلي الإيراني والجغرافيا السياسية الأوسع للشرق الأوسط. ومن خلال استهداف المنشآت العسكرية في عمق الأراضي الإيرانية، عطلت إسرائيل استراتيجية إيران الدفاعية الطويلة الأمد، والتي تعتمد على التحالفات مع الجماعات الوكيلة مثل حزب الله وحماس لبسط النفوذ وإبعاد الصراعات عن حدودها. ومع سقوط الضربات الإسرائيلية الآن داخل إيران، تواجه طهران معضلة في إدارة الصراع الذي تم خوضه تاريخياً بوسائل غير مباشرة. وهذا التحول يجبر إيران على مواجهة نقاط الضعف في استراتيجيتها الدفاعية والتفكير في ردود جديدة على عدوانية إسرائيل المتزايدة.
كسر استراتيجية إيران
لعقود من الزمن، اعتمدت إيران على ما يسمى غالبا استراتيجية “الدفاع الأمامي” لإنشاء منطقة عازلة ضد التهديدات الخارجية. وينطوي هذا النهج على دعم الجماعات المتحالفة – أو “الوكلاء” – مثل حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والميليشيات الأخرى التابعة لها في جميع أنحاء المنطقة، والتي تعمل كخط دفاع ممتد ضد الخصوم المحتملين، وخاصة إسرائيل. ومن خلال دعم هذه الجماعات عسكريًا وماليًا، سعت إيران إلى نشر أي صراع محتمل عبر حدود مختلفة، مما يجعل التعامل المباشر مع إيران أكثر تكلفة وصعوبة بالنسبة لإسرائيل.
وقد حققت هذه الاستراتيجية بعض النجاح في الحد من قدرة إسرائيل على توجيه ضربات مباشرة إلى الأراضي الإيرانية. على سبيل المثال، كان حزب الله لفترة طويلة بمثابة رادع، حيث خلقت ترسانته من الصواريخ وشبكته الواسعة في جنوب لبنان تهديداً حقيقياً ضد الأراضي الإسرائيلية. وعلى نحو مماثل، تشكل حماس، على الرغم من ضعفها العسكري، تحدياً مستمراً لأمن إسرائيل، مما يؤثر على الروح المعنوية الوطنية ويزيد من الضغوط السياسية على الحكومة الإسرائيلية.
ومع ذلك، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على أنظمة الرادار والدفاع الجوي الإيرانية داخل حدود إيران قد وضعت هذا النموذج موضع تساؤل. تجاوزت هذه الضربات دفاعات إيران الأمامية واخترقت مجالها الجوي، وهو حدث نادر لم نشهده منذ الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات. تتحدى الضربات الافتراض السابق بأن إيران يمكن أن تبقي الصراع بعيدًا عن طريق الاعتماد على الوكلاء. بالنسبة لإسرائيل، يمثل هذا عرضًا مهمًا للقوة ورسالة واضحة: إذا صعدت إيران دعمها للميليشيات المناهضة لإسرائيل، فإن إسرائيل مستعدة للانتقام مباشرة ضد الأهداف الإيرانية.
حسابات إسرائيل
وكان النهج الذي اتبعته إسرائيل في هذه العملية مقيداً بشكل ملحوظ. ومن خلال التركيز حصريًا على المواقع العسكرية، تجنبت إسرائيل ضرب البنية التحتية المدنية الحيوية مثل المنشآت النووية أو المنشآت النفطية أو المناطق المكتظة بالسكان. وكان هذا قراراً محسوباً، ومن المحتمل أنه تأثر بنصيحة واشنطن، لمنع انتقام إيراني واسع النطاق أو صراع إقليمي يمكن أن يتصاعد إلى ما هو خارج سيطرة أي من البلدين. ومن خلال قصر ضرباتها على منشآت الرادار والدفاعات الجوية والمنشآت الصاروخية، تجنبت إسرائيل عبور العتبات الأكثر استفزازية، مما يترك إيران في مأزق إذا اختارت تجنب المزيد من التصعيد.
وينسجم هذا النهج مع ما يمكن وصفه بـ”النموذج اللبناني” في موقف إسرائيل الاستراتيجي تجاه إيران. وعلى غرار ارتباطاتها في لبنان، يبدو أن إسرائيل تستكشف طريقة لتنفيذ ضربات دقيقة ومحدودة تهدف إلى تآكل القدرات الدفاعية الإيرانية بمرور الوقت دون إثارة صراع واسع النطاق. ومن خلال زيادة الضغط تدريجياً، تستطيع إسرائيل تقويض الاستعداد العسكري الإيراني ووضعها الدفاعي دون الدفع نحو حرب شاملة.
إن دور واشنطن في هذا النهج المحسوب مهم. وكانت الولايات المتحدة تاريخياً حذرة بشأن توريط نفسها بشكل مباشر في الصراع الإسرائيلي الإيراني، لكنها بذلت جهوداً لدعم أمن إسرائيل وإثناء إيران عن الانتقام واسع النطاق. وفي أعقاب هذه الضربات، نشرت الولايات المتحدة أصولًا عسكرية إضافية، بما في ذلك طائرات إف-16، في المنطقة كرادع ضد الانتقام الإيراني المحتمل. وتشير هذه الخطوة لإيران إلى أن أي رد عدواني يخاطر بمزيد من التدخل الأمريكي، وهو ما تفضل طهران تجنبه، خاصة مع استمرارها في مواجهة القيود الاقتصادية والضغوط الداخلية.
رد طهران
وتترك الضربة الإسرائيلية إيران عند منعطف حرج، وتواجه طهران الآن أربعة مسارات استراتيجية رئيسية للمضي قدمًا. يأتي كل خيار مع مجموعته الخاصة من المقايضات والتكاليف والمخاطر المحتملة.
ويمكن لإيران أن تضاعف استراتيجيتها بالوكالة، في محاولة لاستعادة القدرات العسكرية لحزب الله وحماس، وكلاهما تعرض للضعف بسبب الصراعات الأخيرة والتطورات الإقليمية. ويعتبر هذا الخيار فعالاً نسبياً من حيث التكلفة مقارنة بالاستراتيجيات الأخرى ويتوافق مع الموقف الدفاعي التاريخي لإيران. إن إعادة تنشيط قدرات حزب الله، على سبيل المثال، من الممكن أن تعيد تأسيس رادع ذي مصداقية ضد إسرائيل، حيث كان يُنظر منذ فترة طويلة إلى ترسانة حزب الله الواسعة من الصواريخ وخبرته القتالية المتطورة باعتبارها تهديداً هائلاً. وعلى نحو مماثل، قد تعمل حماس، رغم محدودية نطاقها، على زيادة الضغوط على الحدود الجنوبية لإسرائيل وإرغام الحكومة الإسرائيلية على التركيز على الداخل. ومع ذلك، فإن هذا النهج له حدود. إن استعداد إسرائيل المتزايد واستعدادها للضرب مباشرة في الأراضي الإيرانية قد يجعل من الصعب على إيران دعم هذه الجماعات الوكيلة بشكل آمن وفعال دون المخاطرة بمزيد من الإجراءات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، أظهرت الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، معارضة قوية للنفوذ الإيراني في لبنان وغزة، مما أدى إلى تعقيد جهود إيران لحشد وكلائها.
وبدلاً من ذلك، يمكن لإيران أن تركز على بناء قدراتها العسكرية التقليدية من خلال تعزيز العلاقات مع دول مثل روسيا والصين. ومن المحتمل أن يشمل ذلك الحصول على دفاعات جوية متقدمة، وطائرات مقاتلة حديثة، وصواريخ باليستية أكثر دقة. ومن خلال أنظمة متقدمة مثل نظام الدفاع الجوي الروسي Su-30 وS-400، يمكن لإيران تعزيز قدرتها على صد الضربات الجوية الإسرائيلية المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها من شأنه أن يسمح لإيران بتطوير قدرة ردع أقوى، مما يهدد الأصول العسكرية الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة. وفي حين أن هذا النهج من شأنه أن يعزز دفاعات إيران، إلا أنه يأتي بتكاليف كبيرة. إن وصول إيران إلى التكنولوجيا العسكرية من الدرجة الأولى محدود بسبب العقوبات الدولية والقيود الاقتصادية، مما يعني أنها قد تحصل فقط على أنظمة من الدرجة الثانية. وحتى مع التحسينات، فمن المرجح أن تظل هذه أقل شأنا من المعدات عالية التقنية التي تستطيع إسرائيل الوصول إليها، خاصة بدعم الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن الضغوط المالية الناجمة عن الاستثمار في المعدات الأجنبية باهظة الثمن من شأنها أن تزيد من الضغط على ميزانية الدفاع الإيرانية المحدودة بالفعل، مما قد يؤدي إلى تحويل الأموال عن الاحتياجات المحلية الأساسية.
ونظراً لاستعداد إسرائيل المتزايد لاستهداف الأراضي الإيرانية، فقد تفكر طهران في تسريع برنامجها النووي، إما التحرك نحو “الاختراق النووي” أو اتباع استراتيجية “التسلل” لتكديس القدرات النووية بهدوء. ومن خلال تطوير رادع نووي، تستطيع إيران أن تخلق حاجزاً هائلاً ضد الضربات المحتملة، لأن القدرات النووية من شأنها أن تغير بشكل كبير المخاطر التي يفرضها أي صراع مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا المسار يحمل مخاطر كبيرة. ومن الممكن أن يؤدي تسريع البرنامج النووي الإيراني إلى توجيه ضربات عسكرية استباقية من جانب كل من إسرائيل والولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى نشوب صراع مكلف وطويل الأمد. بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير برنامجها النووي يمكن أن يؤدي إلى عزلة إيران بشكل أكبر على الساحة الدولية، مما يزيد من العقوبات الاقتصادية ويعمق صراعاتها الاقتصادية. وفي حين أن القدرات النووية من شأنها أن توفر نفوذاً استراتيجياً، فإن رد الفعل العنيف المحتمل يجعل هذا الخيار واحداً من أخطر المسارات وأكثرها إثارة للجدل بالنسبة لإيران.
ويتلخص الخيار الرابع، وربما الأكثر غير تقليدية، أمام إيران في إعادة النظر في موقفها الأساسي تجاه إسرائيل. إن الحد من الأعمال العدائية أو حتى الإشارة إلى التحول بعيدًا عن المواجهة المباشرة يمكن أن يسمح لإيران بتهدئة التوترات الإقليمية وإعادة تخصيص الموارد محليًا. ومن الممكن أن يفتح مثل هذا التحول الباب أمام تحسين العلاقات مع بعض اللاعبين الإقليميين وتخفيف العقوبات الدولية، مما يوفر لإيران بيئة أكثر استقرارًا للتعافي الاقتصادي. ومع ذلك، ونظراً لمركزية المشاعر المعادية لإسرائيل في الأيديولوجية السياسية الإيرانية، فإن مثل هذا التحول الدراماتيكي يبدو غير مرجح في ظل النظام الحالي. لعقود من الزمن، عرّفت الجمهورية الإسلامية نفسها بأنها معارضة لإسرائيل، مما يجعل من الصعب متابعة هذا الخيار. ومع ذلك، إذا تفاقمت القيود الاقتصادية والعسكرية، فإن التحول العملي في السياسة قد ينشأ في نهاية المطاف كاستراتيجية قابلة للتطبيق على المدى الطويل للحد من الضغوط العسكرية وإعادة الانخراط في الدبلوماسية الإقليمية.
وضع طبيعي جديد في التنافس الإسرائيلي الإيراني
وحتى لو اختارت إيران وقف التصعيد، فإن تصرفات إسرائيل الأخيرة أدت بشكل أساسي إلى زيادة المخاطر في التنافس بين إسرائيل وإيران. لقد تجاوز الجانبان الآن الخطوط الحمراء: فقد ضربت إسرائيل أهدافاً إيرانية بشكل مباشر، وأطلقت إيران صواريخ باليستية على إسرائيل في أوائل أكتوبر. وتشير هذه المشاركة المباشرة إلى وجود خط أساس أعلى للتوترات للمضي قدمًا، حيث يكون كل جانب أكثر استعدادًا لاختبار حدود الطرف الآخر.
ومن ناحية أخرى، تستمر الصراعات التي لم تُحل في غزة ولبنان في صب الوقود على النار، حيث يمكن للمعارك بالوكالة أن تتصاعد بسرعة إلى مواجهات أوسع نطاقا. وقد استجابت الدول الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية وغيرها من أعضاء مجلس التعاون الخليجي للإدانة لتصرفات إسرائيل، مما يشير إلى الرغبة في تجنب الانجرار إلى هذا التنافس المتزايد. تعكس تصريحاتهم الخوف الإقليمي الأوسع من أن التصعيد الإسرائيلي الإيراني قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله.
تم النشر بواسطة geopoliticalmonitor