الشهيد باقري.. هل تمثل حاملة الطائرات الإيرانية الجديدة تهديدا استراتيجيا لإسرائيل وأمريكا؟

نشرت صحيفة “كلكلست” الإسرائيلية تقريرا تحليليا حول حاملة الطائرات الإيرانية الجديدة “الشهيد باقري”، والتي كشفت طهران عنها مؤخرا، مزودة بسرب من الطائرات المسيّرة، المروحيات، الزوارق الحربية، والصواريخ الباليستية. وأكدت الصحيفة أن هذه القدرات الجديدة تشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى تداعيات غير متوقعة قد تستغلها إسرائيل لصالحها.
حاملات الطائرات.. رمز القوة واستعراض النفوذ
أشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة لطالما اعتمدت على حاملات الطائرات كرمز لقوتها العسكرية، حيث توصف بأنها “وحوش فولاذية” تتحرك إلى بؤر التوتر والنزاعات لتنفيذ مهام قتالية واستراتيجية. ومع ذلك، لم تعد واشنطن الدولة الوحيدة التي تستعرض قوتها البحرية بهذه الوسيلة، فقد أعلنت إيران عن امتلاكها لحاملة طائرات خاصة بها، وهي تجمع بين عناصر التشابه والاختلاف مع حاملات الطائرات التقليدية، مما يجعلها تحديا معقدا لكل من إسرائيل وأمريكا.
“الشهيد باقري”.. بين القدرات الاستراتيجية والتحديات الفنية
وفقا للصحيفة، فإن حاملة الطائرات الإيرانية تمتد لمسافة 240 مترا وتعتمد على تكنولوجيا إيرانية محلية، كما أنها متعددة المهام وطويلة الأمد، ما يجعلها أصلا استراتيجيا مهما للحكومة الإيرانية، لكنه في الوقت ذاته يشكل عبئا إشكاليا يمكن أن يكون عرضة للاستهداف في أي مواجهة عسكرية.
وأوضحت الصحيفة أن إيران لا تمتلك البنية التحتية اللازمة لبناء حاملات طائرات من الصفر، إذ تتطلب هذه العملية موارد هائلة وخبرات متقدمة، وهي عوامل غير متوفرة في الميزانية العسكرية الإيرانية حاليا. لكن الحل جاء عبر تحويل سفينة تجارية قائمة إلى حاملة طائرات، حيث تم تطوير السفينة الجديدة في ميناء بندر عباس، مما أتاح لإيران تجاوز التحديات الهندسية التي تواجهها الدول الكبرى عند تصنيع حاملات الطائرات.
من سفينة تجارية إلى سلاح بحري متقدم
بدأت السفينة “الشهيد باقري” حياتها كسفينة حاويات مدنية كورية، قبل أن تستحوذ عليها إيران في عام 2020 وتبدأ في تحويلها إلى حاملة طائرات مسيّرة. وتم تزويدها بتقنيات تسمح بإقلاع وهبوط الطائرات بدون طيار والمروحيات، إضافة إلى إمكانية قيادة هجمات بحرية وتأمين عمليات إنزال عسكرية.
وأحد التطورات البارزة في هذه السفينة هو قدرتها على إطلاق الزوارق القتالية السريعة، التي يمكن استخدامها لنقل فرق الكوماندوز أو إطلاق صواريخ مضادة للسفن، حيث تم تزويدها بفتحات خاصة على جانبيها تسمح بإطلاق الزوارق مباشرة من داخلها.
التسليح: مزيج من الدفاع والهجوم
تمتلك حاملة الطائرات الإيرانية منظومة تسليحية متنوعة، حيث تدافع عن نفسها عبر مدافع ثقيلة، تشمل:
مدفع عيار 30 ملم مثبت على برج في مقدمة السفينة.
4 مدافع عيار 20 ملم موزعة على جانبي القوس والمؤخرة.
4 حوامل لصواريخ مضادة للطائرات.
كما يُعتقد أنها قادرة على حمل بطاريات مضادة للطائرات من نوع “سيبوم خرداد”، والتي تتمتع بمدى يصل إلى 60 كيلومترا، بالإضافة إلى قاذفات للصواريخ الباليستية، مما يجعلها تتمتع بقدرات هجومية ودفاعية متقدمة مقارنة بالسفن التقليدية.
التهديد الحقيقي: حاملات الطائرات المسيّرة
وفقا للصحيفة، فإن القوة الضاربة الحقيقية في “الشهيد باقري” تكمن في الطائرات المسيّرة، والتي تُعد عنصرا أساسيا في استراتيجية إيران العسكرية الحديثة. حيث تحمل الحاملة عشرات الطائرات المسيّرة الانتحارية، التي يصل مدى بعضها إلى 1000 – 2000 كيلومتر، مما يمنح إيران القدرة على تنفيذ هجمات بعيدة المدى ضد أهداف في إسرائيل أو القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة.
لكن الصحيفة نوهت إلى أن هذه الطائرات رغم خطورتها، لا تخلو من نقاط ضعف، فهي غير قادرة على التعامل مع الأهداف المتحركة أو المدرعة، كما أنها تكون عاجزة تماما إذا تم اكتشافها والتصدي لها في الوقت المناسب. ومع ذلك، فإن انتشارها الواسع، وسهولة تصنيعها، يجعلها تمثل تهديدا كبيرا يصعب إيقافه تماما.
“الشهيد باقري”.. بداية لأسطول إيراني جديد؟
لم تكن “الشهيد باقري” أول تجربة إيرانية في تحويل السفن المدنية إلى سفن عسكرية، حيث سبقتها عدة حاملات تم بناؤها بنفس الطريقة. ومع مرور الوقت، تعمل إيران على تعزيز أسطولها البحري بهذه النوعية من السفن، مما يزيد من تعقيد المشهد العسكري في الشرق الأوسط.
هل تمثل تهديدا استراتيجيا حقيقيا؟
رغم أن إيران لا تزال بعيدة عن مضاهاة القوى البحرية الكبرى، إلا أن وجود سفينة مثل “الشهيد باقري” يضيف بُعدا جديدا للحرب البحرية في المنطقة، خاصة مع استراتيجية إيران القائمة على الحرب غير التقليدية والطائرات المسيّرة.
وترى الصحيفة أن إسرائيل والولايات المتحدة يجب أن تأخذ هذه التطورات على محمل الجد، ليس فقط من حيث التهديد المباشر، ولكن أيضا من حيث تأثيرها على التوازن الاستراتيجي الإقليمي. ففي حال تمكنت إيران من تشغيل هذه الحاملة بفعالية، فإنها ستتمكن من تهديد أهداف بعيدة عن سواحلها، مما يجبر خصومها على إعادة تقييم استراتيجياتهم العسكرية.
بين الخطر والفرصة
بينما يثير تطوير “الشهيد باقري” مخاوف أمنية في إسرائيل وأمريكا، فإن الصحيفة ترى أن هذا المشروع يمثل فرصة أيضا، إذ إن تشغيل مثل هذه السفن يتطلب قدرات تشغيلية متقدمة، وصيانة مستمرة، وتمويلا ضخما، وهو ما قد يضع إيران أمام تحديات لوجستية قد تحدّ من فاعلية هذه الحاملة في المدى البعيد.