
تشهد الطائفة الدرزية في سوريا مرحلة حاسمة من تاريخها، حيث تواجه تحديات غير مسبوقة في ظل التغيرات السياسية والأمنية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد.
وبينما تحاول الحكومة الانتقالية بسط سيطرتها على البلاد، تجد الطائفة نفسها عالقة بين مطرقة الضغوط الداخلية وسندان التدخلات الإقليمية، ما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبلها في سوريا الجديدة.
بين البراغماتية والمقاومة
لطالما تميز الدروز بقدرتهم على التكيف مع التغيرات السياسية المعقدة في الشرق الأوسط، وهو ما ساعدهم تاريخيًا على الحفاظ على درجة من الاستقلالية في الدول التي يعيشون فيها، سواء في لبنان أو إسرائيل أو الأردن أو سوريا.
واليوم، ومع إعادة تشكيل المشهد السوري، يواجهون معركة جديدة من أجل البقاء، حيث تحاول الحكومة الانتقالية نزع سلاح الميليشيات الدرزية، بينما تسعى إسرائيل إلى استقطابهم كحلفاء، ما يضعهم أمام خيارات صعبة.
المصالح الإقليمية وتأثيرها على الدروز
وفقًا لتقرير صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ السويسرية، فإن دمشق، تعمل على تفكيك الفصائل المسلحة غير التابعة لها، بما في ذلك المليشيات الدرزية في السويداء وجرمانا.
وقد تصاعدت التوترات في وقت سابق من الشهر الحالي، عندما اندلعت مواجهات عنيفة بين المقاتلين الدروز والقوات الحكومية في جرمانا، مما دفع الميليشيات المحلية إلى إنشاء مجلس عسكري مشترك لحماية مناطقهم.
بالتوازي مع هذه التطورات، تراقب إسرائيل الوضع عن كثب، حيث صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن بلاده “لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تقوم هيئة تحرير الشام بقتل الدروز”.
وتزامنت هذه التصريحات مع تقارير تفيد بأن إسرائيل تسعى لاستقطاب الطائفة الدرزية عبر تقديم وعود تتعلق بالدعم الأمني والاقتصادي، بما في ذلك خطط لتوظيف عمال دروز سوريين في إسرائيل ضمن مشاريع تجريبية.
إلا أن هذه المحاولات تواجه مقاومة من القيادات الدرزية في سوريا، التي شددت على أن الطائفة جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، رغم حرصها على الحفاظ على استقلالها الذاتي.
ويبدو أن التجربة اللبنانية لا تزال حاضرة في الأذهان، حيث دعمت إسرائيل الميليشيات المسيحية خلال الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات والثمانينيات، لكنها وجدت نفسها لاحقًا متورطة في مستنقع لم تتمكن من الخروج منه بسهولة.
معضلة الحكومة الانتقالية
على الجانب الآخر، تواجه الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع ضغوطًا متزايدة، إذ تسعى إلى بسط نفوذها في مختلف المناطق السورية، لكنها تصطدم بمعضلة الميليشيات المحلية، وخاصة في السويداء.
ورغم أن الشرع تمكن نظريًا من التوصل إلى اتفاق مع القيادات الدرزية لنزع سلاح الميليشيات، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أنه لا يزال عاجزًا عن فرض نفوذه بالكامل في المنطقة، خاصة مع استمرار التدخلات الإسرائيلية التي تعيق تحركاته.
وتُدرك الحكومة الانتقالية أن التعامل مع الدروز يتطلب استراتيجية مختلفة عن تلك التي اتبعها نظام الأسد.
فبدلًا من استخدام القمع كأداة للسيطرة، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى تبني نهج أكثر مرونة يعتمد على التفاوض والاحتواء، لا سيما وأن السويداء أثبتت في السنوات الأخيرة أنها ليست مجرد منطقة يمكن إخضاعها بسهولة، بل تمتلك قاعدة شعبية قوية ترفض أي تدخلات خارجية.
إلى أين يتجه الدروز؟
في ظل هذا المشهد المتشابك، تبدو خيارات الدروز في سوريا الجديدة محدودة. فإما أن يواصلوا نهجهم التاريخي القائم على البراغماتية والتكيف مع التغيرات السياسية للحفاظ على استقلالهم الذاتي، أو يجدوا أنفسهم مضطرين إلى اتخاذ مواقف أكثر حسمًا، سواء بالتحالف مع الحكومة الانتقالية أو بالانخراط في تحالفات إقليمية قد تؤثر على وضعهم المستقبلي.
وبينما تسعى إسرائيل إلى تقديم نفسها كحامية للطائفة، يبقى السؤال الأهم: هل سيقبل الدروز بالدخول في معادلة إقليمية قد تضعهم في مواجهة مع بقية المكونات السورية، أم أنهم سيواصلون سياسة الحياد التي ضمنت لهم الاستمرار حتى الآن؟
الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة على هذا السؤال، لكن ما يبدو مؤكدًا هو أن الطائفة الدرزية ستظل لاعبًا محوريًا في مستقبل سوريا، سواء أرادت ذلك أم لا.