الحرب ضد الحوثيين.. هل تستطيع واشنطن تحقيق أهدافها أم أنها تخوض معركة بلا استراتيجية؟

ضربات متواصلة وسؤال مفتوح
بعد أكثر من عشرة أيام من الضربات الجوية والبحرية التي شنتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين، لا تزال التساؤلات مطروحة حول مدى فاعلية هذه العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها. فهل يمكن لواشنطن كبح جماح الحوثيين دون استراتيجية سياسية متكاملة؟ وهل تمتلك إدارة الرئيس دونالد ترامب خطة شاملة للتعامل مع التهديدات في الشرق الأوسط، أم أنها تتعامل مع الأزمات بشكل ارتجالي؟
أكبر حملة عسكرية لترامب في ولايته الثانية
في 15 مارس (آذار) الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة من الضربات التي استهدفت البنية التحتية العسكرية للحوثيين، في ما يعد أكبر حملة عسكرية لترامب خلال ولايته الثانية. جاءت هذه العملية بعد أيام قليلة من تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية، وذلك على خلفية هجماتها المتكررة على حركة الملاحة في البحر الأحمر، بالإضافة إلى استهدافها لإسرائيل.
وفي تعليق على هذه الحملة، تعهد ترامب بالقضاء على الحوثيين وربط تحركاتهم بإيران، قائلاً عبر منصة “تروث سوشيال”: “لقد تكبد الحوثيون خسائر فادحة، وسيتفاقم الأمر عليهم. هذه ليست معركة متكافئة ولن تكون كذلك أبداً، وسيتم القضاء عليهم تماماً.”
لكن، وعلى الرغم من هذا التصعيد، شدد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث على أن الهدف الأساسي لهذه الحملة ليس القضاء التام على الحوثيين، بل وقف هجماتهم على السفن التجارية والعسكرية الأمريكية.
ووفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فقد شن الحوثيون منذ عام 2023 أكثر من 170 هجومًا على السفن الحربية الأمريكية، و145 هجومًا على السفن التجارية، مما دفع واشنطن إلى التدخل العسكري المباشر لردعهم.
نجاحات عسكرية لكن التهديد مستمر
منذ بدء الضربات الجوية، أكدت مصادر أمريكية أن الحملة نجحت في استهداف مراكز القيادة والسيطرة لدى الحوثيين، بما في ذلك مواقع تصنيع وتخزين الصواريخ والطائرات المسيرة. كما تم تصفية عدد من القيادات البارزة في الجماعة، لا سيما المسؤول الأول عن برنامج الصواريخ وقادة آخرين في مشروع الطائرات المسيرة.
لكن، وعلى الرغم من هذه الضربات، لا يزال الحوثيون قادرين على إطلاق هجمات صاروخية ومسيرات على أهداف أمريكية وإسرائيلية. ويؤكد مسؤولون في البنتاغون أن الحملة الجوية قد تستمر لعدة أسابيع أو ربما أكثر، حيث منحت الإدارة الأمريكية القادة العسكريين سلطة أوسع لتنفيذ العمليات بشكل أكثر فاعلية.
ويشير محللون إلى أن استراتيجية ترامب في اليمن تختلف عن الإدارات السابقة، حيث انتقلت واشنطن من سياسة الاحتواء إلى استراتيجية تعطيل القدرات العسكرية للحوثيين بشكل كامل، وذلك عبر استهداف القيادة السياسية والعسكرية للجماعة.
هل ترتدع جماعة الحوثي؟
تمتلك الولايات المتحدة في المنطقة حاملة الطائرات “هاري ترومان”، التي تم تمديد انتشارها في البحر الأحمر، لكن تقارير أمريكية أشارت إلى أن حاملة طائرات ثانية قد تصل قريبًا لتعزيز العمليات العسكرية.
ورغم هذه القوة العسكرية، لم تتوقف الهجمات الحوثية، حيث أطلقت الجماعة صواريخ ومسيرات على السفن الأمريكية والإسرائيلية، في مؤشر على أن الحوثيين لا يزالون يحتفظون بقدرات هجومية كبيرة.
وتشير المحللة العسكرية جينيفر كافانا إلى أن الضربات الأمريكية لم تثبط الحوثيين بشكل فعال، مضيفةً: “حتى لو وسعت واشنطن نطاق الأهداف، فإن العمليات العسكرية وحدها لن تؤدي إلى إضعاف الحوثيين، بل قد تزيد من تعقيد الصراع في اليمن.”
وبينما يؤكد المسؤولون الأمريكيون أن الولايات المتحدة غير متأكدة تمامًا من حجم المخزون العسكري للحوثيين، فإن المعلومات الاستخباراتية ترجح أن الجماعة تنتج جزءًا كبيرًا من أسلحتها محليًا، فيما تتلقى دعمًا تقنيًا وماديًا من إيران وروسيا والصين.
روسيا والصين.. داعمان غير معلنين للحوثيين؟
في ظل الضغوط العسكرية المتزايدة، بدأ الحوثيون في تعزيز تحالفاتهم مع قوى إقليمية ودولية، حيث تشير تقارير استخباراتية إلى أن روسيا قدمت معلومات استخباراتية للحوثيين لمساعدتهم في تنفيذ هجمات دقيقة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، وذلك كجزء من رد موسكو على الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
أما الصين، فقدمت للحوثيين تكنولوجيا صاروخية متقدمة، مقابل ضمان مرور آمن للسفن الصينية عبر البحر الأحمر.
كما تشير مصادر استخباراتية إلى أن الحوثيين سعوا إلى إقامة تحالفات مع جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة، وحركة الشباب في الصومال، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
هل تصبح إيران الهدف القادم؟
في ظل استمرار الهجمات الحوثية، بدأ بعض المحللين يتحدثون عن إمكانية استهداف إيران مباشرة، باعتبارها الداعم الأساسي للجماعة.
ويرى العميد المتقاعد مارك مونتغمري أن الحل الوحيد لإضعاف الحوثيين هو استهداف إيران بشكل مباشر، وهو رأي يؤيده برادلي بومان، المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، حيث قال: “إذا اتخذ ترامب إجراءات عسكرية ضد إيران، فسيكون ذلك نقطة تحول في السياسة الخارجية الأمريكية، أما إذا تراجع، فسوف تتآكل مصداقية الولايات المتحدة بشكل أكبر.”
خطة استراتيجية أم قرارات ارتجالية؟
يصف بعض المحللين سياسة ترامب في الشرق الأوسط بأنها غير متماسكة وتعتمد على ردود الفعل أكثر من كونها جزءًا من استراتيجية واضحة. لكن آخرين يرون أن إدارة ترامب تسعى إلى فرض ضغوط عسكرية مكثفة على إيران، وإجبارها على تقديم تنازلات في الملف النووي.
ويرى آلان بينو، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، أن واشنطن تهدف من خلال هذه الضربات إلى إجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكنه يحذر من أن استراتيجية التصعيد العسكري قد تؤدي إلى نتائج عكسية، في حال رفضت إيران تقديم تنازلات.
اليمن.. مستنقع جديد لأمريكا؟
في ظل استمرار الصراع، يبدو أن الولايات المتحدة تخاطر بالسقوط في مستنقع عسكري طويل الأمد في اليمن، كما حدث في العراق وأفغانستان.
ويحذر الباحث جاكوب وير من أن العمل العسكري وحده لن يكون كافيًا لحل الأزمة اليمنية، قائلاً: “ما لم ترافق العمليات العسكرية خطة سياسية متكاملة، فإن الصراع سيستمر لسنوات، والحوثيون سيجدون طرقًا جديدة للبقاء والتكيف مع الضغوط.”
أما بيتر سالزبوري، الباحث في “فورين بوليسي”، فيشير إلى أن التصنيفات الإرهابية والضربات الجوية قد تعمق الانقسامات السياسية، وتجعل الحلول الدبلوماسية أكثر صعوبة.
حرب مفتوحة بلا نهاية واضحة
في ظل استمرار العمليات العسكرية، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في اليمن؟ أم أن الحوثيين، بدعم إيراني وروسي وصيني، سيواصلون تصعيدهم؟
مع عدم وجود حل سياسي واضح، يبدو أن الحرب ضد الحوثيين لن تكون قصيرة الأمد، وقد تصبح جزءًا من صراع إقليمي أكبر، يضع المنطقة بأكملها على حافة المواجهة المفتوحة.