Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

الانقسام في ليبيا.. مخاطر تهدد مصالح القوى الخارجية

بينما يواصل الغرب التركيز على دعم الديمقراطية من خلال الانتخابات في مختلف أنحاء العالم، يشعر العديد من الليبيين اليوم بالإحباط.

فالكثير منهم ينظرون إلى الانتخابات التي يدعو إليها الغرب على أنها مجرد وسيلة لإضفاء الشرعية على حكومات تخدم مصالح خارجية، بدلاً من تلبية احتياجاتهم الحقيقية في الاستقرار وبناء المؤسسات.

في ظل الظروف الحالية، التي تشهد غياباً للأسس الدستورية، وفساداً مستشرياً، واعتقالات قسرية، وتسلط الميليشيات وأمراء الحرب، لا يثق الليبيون في قدرة الانتخابات على تحقيق نتائج عادلة.

في المقابل، يشعر الغرب وحلفاؤه بالذنب لفشلهم في استقرار ليبيا بعد التدخل العسكري الذي تحول من مهمة حماية السكان من نظام معمر القذافي إلى مهمة تغيير النظام.

وفي ظل هذا الفشل، عاد التحالف الدولي للتركيز على الأمم المتحدة، رغم محدوديتها، كوسيلة للضغط من أجل التغيير الديمقراطي عبر الانتخابات.

ومع ذلك، تبقى هذه الأهداف بعيدة المنال، ومن غير المحتمل أن تتحقق في المستقبل القريب.

المصالح الخارجية: خلفية تدخلات الدول الكبرى:

على مر التاريخ، كانت محاولات حل الأزمة الليبية تتم وفقاً للمصالح الوطنية والإقليمية.

وخلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ناقش الحلفاء الأوروبيون والولايات المتحدة وكذلك الاتحاد السوفيتي مستقبل ليبيا في سياق مصالحهم المختلفة، بما في ذلك مصر ودور عزام باشا في التأثير على السياسة الليبية. هذا التقليد في التعامل مع ليبيا وفقاً لمصالح القوى الكبرى لا يزال قائماً اليوم.

حالياً، تدفع ثلاثة عوامل رئيسية القوى الدولية إلى التدخل في ليبيا: أولاً، القلق الأوروبي بشأن الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الليبية؛ ثانياً، المخاوف من تدهور الأوضاع في دول شمال أفريقيا والساحل وتأثير ذلك على المصالح الاقتصادية في المنطقة؛ ثالثاً، الخوف من أن تساهم الفوضى في ليبيا في نمو الجماعات الإرهابية.

ومن منظور المجتمع الدولي، تتطلب هذه المخاوف وجود سلطة مركزية في ليبيا، بغض النظر عن شرعية السلطة الفعلية.

وهذا جعل الأمم المتحدة ومنظمة الدول الكبرى تقدم خرائط طريق ومقترحات لم تؤتِ ثمارها، بل فاقمت الانقسامات القائمة في البلاد.

أسباب فشل المحاولات الدولية لإعادة بناء ليبيا:

هناك 5 أسباب رئيسية لفشل الجهود الدولية في تشكيل دولة حديثة في ليبيا:

1 – الانقسام التاريخي:

تجسد الانقسامات التاريخية بين برقة وطرابلس في الصراع الحالي، مما يجعل من المستحيل إجراء انتخابات فعالة في ظل الظروف الحالية.

 2 – استغلال الانقسامات:

الجهات الفاعلة السياسية والأمنية تستفيد من هذه الانقسامات لتحقيق مصالحها الشخصية، مما يعرقل أي مسعى حقيقي للسلام والاستقرار.

3 – مشاكل اقتصادية واجتماعية:

بعد أربعة عشر عامًا من الانهيار، يعاني السكان من فقر وأزمات مستمرة، مما يحد من قدرتهم على المشاركة الفاعلة في العملية السياسية.

 4 – أولويات المجتمع الدولي:

التحولات في الأولويات الدولية، مثل التركيز على أوكرانيا وجنوب شرق آسيا، قللت من الاهتمام والموارد المخصصة لليبيا.

5 – فقدان الثقة في الغرب:

شعور شعوب المنطقة، بما في ذلك ليبيا، بفقدان الثقة في الغرب نتيجة فشلهم في دعم التغيير الديمقراطي بشكل حقيقي، وخاصة في ظل تدهور الأوضاع في غزة.

الواقع الحالي: ليبيا كدولتين بحكم الأمر الواقع:

منذ نهاية الحرب الأهلية عام 2020، أصبحت ليبيا فعلياً دولتين منفصلتين: الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس والحكومة العسكرية في الشرق بقيادة خليفة حفتر.

على الرغم من بعض المحاولات لإعادة الإعمار بعد كارثة العاصفة دانيال عام 2023، فإن تلك الجهود ساهمت في تعزيز الانقسام بدلاً من التوحيد.

اليوم، لا يزال اللاعبون الدوليون مثل روسيا والصين ينخرطون في ليبيا لتحقيق مصالحهم الاقتصادية، مما يعمق الهوة بين القوى الغربية وليبيا.

في الوقت ذاته، يشعر الليبيون بخيبة أمل من دور الأمم المتحدة، حيث لم يعد لديهم الثقة في قدرتها على تقديم حلول ملموسة.

الاتجاهات المستقبلية:

لقد أصبحت ليبيا دولة شبه منقسمة بحكم الواقع، ويبدو أن الحكومة في طرابلس موجودة بشكل أساسي لخدمة مصالح المجتمع الدولي وليس لحل مشاكل الشعب الليبي.

وهنا يحتاج الشعب الليبي إلى رؤية جديدة ومسار واقعي نحو بناء دولة حديثة، يعتمد على الاعتراف بتاريخها وواقعها، وألا يقتصر الحل على مصالح القوى الكبرى.

وفي هذا السياق، تم تعيين هانا سيرواء تيته من غانا رئيسة جديدة لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، مما يعكس مرة أخرى الهيمنة المستمرة للمصالح الدولية في تشكيل مستقبل البلاد. إن ليبيا اليوم بحاجة إلى إرادة وطنية ودولية للتعامل مع واقعها المعقد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى