
مع التوصل إلى اتفاق بين “حماس” وإسرائيل لوقف الأعمال الحربية، وتصويت الحكومة الإسرائيلية لصالح الاتفاق في 17 يناير 2025، جاء في توقيت رمزي لافت اتفاق آخر في جنين بين قوات السلطة الفلسطينية و”كتيبة مخيم جنين”.
“المجلة” نشرت تقريرا تناول هذا الاتفاق الذي جاء بعد شهر ونصف من الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن الفلسطينية وكتيبة جنين، وهي مجموعة فلسطينية تدافع عن المخيم في مواجهة اجتياحات إسرائيلية أسبوعية.
بعد هذا الاتفاق أعلنت السلطة سيطرتها التامة على المخيم، واعتقلت العشرات من عناصر الكتيبة الذين رفضوا تسليم سلاحهم.
السلطة الفلسطينية تعتبر هذه العملية ضرورية لضمان استمراريتها كقوة مسؤولة عن حفظ الأمن، وهي مهمة أُسست عليها بموجب اتفاق أوسلو منذ 1994.
هذه المواجهات تأتي بعد سنوات من الصدامات بين “كتيبة جنين” وقوات الاحتلال الإسرائيلي، التي حاولت إخضاع المخيم لكن دون جدوى.
في الوقت ذاته، تزايدت التحديات الأمنية في الضفة الغربية، خاصة في ظل تصاعد الهجمات من قبل المستوطنين والقوات الإسرائيلية، ما أدى إلى تصاعد حدة النقد ضد السلطة الفلسطينية من قبل الشارع الفلسطيني.
هذا التصعيد في جنين يندرج ضمن سياقين أساسيين؛ الأول: يتعلق بالخوف المتزايد لدى قيادات السلطة من تزايد الانتقادات الداخلية على أدائها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة وغزة.
الثاني: هو القناعة الفلسطينية المتزايدة بأن خيار السلام مع إسرائيل قد أصبح غير واقعي، مع إدراك أن إسرائيل تسعى لتثبيت سيطرتها على الفلسطينيين دون تقديم أي حل سياسي حقيقي.
وفي ظل تصاعد العنف، بدأ الحديث في السلطة الفلسطينية عن إمكانية عودة دورها في غزة بعد طردها من هناك في عام 2007.
ومع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، بدأت السلطة تعبّر عن استعدادها للتدخل في غزة، مدعومة عربياً، للإسهام في جهود التهدئة وإعادة الإعمار.
هذا الطرح تزامن مع الإعلان عن استعداد السلطة لاستلام مهامها في قطاع غزة في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار بين “حماس” وإسرائيل في 18 يناير 2025.
ورغم رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لهذا الطرح، فإن الضغوط الدولية والإقليمية تتزايد لتوفير دور فلسطيني مؤثر في غزة، سواء في فرض الأمن أو في عمليات الإعمار.
السلطة ترى أن هذه فرصة لإثبات قدرتها على لعب دور محوري في إعادة توحيد الضفة وغزة تحت قيادتها، ما يعد خطوة نحو تحقيق الدولة الفلسطينية.
الحديث عن هذه الفرصة يعكس التحديات الداخلية في السلطة الفلسطينية، والتي تعاني من تراجع الدعم الشعبي، خاصة في ظل انقسام سياسي مستمر وغياب التقدم نحو تحقيق الدولة الفلسطينية.
عملياً، السلطة تسعى لإثبات جدارتها في الضفة من خلال السيطرة على المخيمات، وفي الوقت نفسه تأمل أن يكون ذلك مدخلاً لتسوية سياسية تشمل غزة.
من جانبه، تعتقد إسرائيل أنه لا مجال لحل الدولتين في الوقت الحالي، وهو ما يعزز التشاؤم الفلسطيني من إمكانية التوصل إلى تسوية.
لذلك، من المتوقع أن تبقى السلطة الفلسطينية في موقفها المزدوج: إظهار قدرتها على فرض الأمن والاستقرار داخلياً، مع استمرار الضغط الدولي لتغيير الموقف الإسرائيلي، رغم الشكوك الكبيرة حول إمكانية تحقيق تقدم حقيقي في المستقبل.
الحدث في مخيم جنين يعكس حالة التشظي وضعف الموقف الفلسطيني على المستوى الداخلي.
السلطة، في محاولة لإثبات قدرتها على قيادة المشروع الفلسطيني، تواجه تحديات كبيرة، ويبدو أن هناك حاجة لإصلاحات سياسية حقيقية لتوحيد الشعب الفلسطيني وإعادة بناء مؤسسات قوته الوطنية.