إيران وحروب الظل: من الاختراقات الإلكترونية إلى استئجار المجرمين

تواصل إيران تنفيذ حروبها غير التقليدية خارج حدودها، مستخدمةً أساليب متنوعة تشمل الهجمات الإلكترونية، وتجنيد عملاء نفوذ، والاستعانة بمجرمين وقتلة مأجورين، بعضهم منخرطون في تجارة المخدرات عبر شبكات أوروبية وإيرانية. هذه الاستراتيجية تمنح طهران أداة فعالة لإضعاف خصومها، مع الحفاظ على غطاء يسمح لها بإنكار تورطها المباشر.
الجريمة في خدمة النظام
يؤكد ماثيو غديري، العميل المزدوج السابق لجهاز الأمن الوطني الفرنسي، أن النظام الإيراني يعرض على المجرمين تخفيض العقوبات مقابل تنفيذ عمليات لصالحه. ويضيف أن طهران تعتمد بشكل متزايد على هذه الأساليب غير التقليدية لتعزيز نفوذها خارجيًا، عبر شبكات تمتد من أوروبا إلى الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية.
المحللان الفرنسيان ديمتري كرير وفينسنت مونييه يؤكدان أن إيران لا تكتفي بالعمليات العسكرية التقليدية، بل تدير حربًا خفية تشمل الدعاية الرقمية، والهجمات الإلكترونية، والاغتيالات التي تنفذها شبكات إجرامية متخصصة.
إرهاب رقمي واستهداف ممنهج
بحسب جوليان نوسيتي، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن أهداف إيران في هذه الحرب الرقمية تشمل المعارضين السياسيين داخل البلاد وخارجها، بالإضافة إلى الأقليات والنشطاء والفنانين. كما تستهدف الجهات الإقليمية المعادية لطهران وأفراد الجاليات اليهودية في الغرب.
وباتت طهران تستثمر مبالغ طائلة في تعزيز قدراتها السيبرانية، معتمدة على جيش إلكتروني من المؤثرين للترويج لرواية النظام، وقوة شبه عسكرية يقودها الحرس الثوري، قادرة على شن هجمات إلكترونية وقطع الإنترنت جزئيًا أو كليًا حسب الحاجة.
المحامية شيرين أردكاني، المدافعة عن المعارضين الإيرانيين، تكشف أن الحرس الثوري يُصدر “فتاوى رقمية” ضد شخصيات معارضة، تعقبها حملات مضايقة إلكترونية وتضليل وتشويه سمعة.
أما أمير رشيدي، من منظمة “مياان غروب” الأمريكية، فيحذر من أن طهران تنشئ حسابات وهمية لجمع بيانات الناشطين، مما يسهل اعتقالهم أو استهدافهم لاحقًا.
اختراقات إيرانية في الغرب
لم تقتصر الحرب الإلكترونية الإيرانية على الداخل، بل امتدت إلى الساحة الدولية. خلال أولمبياد باريس 2024، تسلل قراصنة إيرانيون إلى بيانات الرياضيين الإسرائيليين ونشروها، كما حاولوا اختراق شبكة الإعلانات الرقمية المستخدمة في الفعالية لعرض رسائل مناهضة لإسرائيل.
وفي الولايات المتحدة، أفادت شركة “مايكروسوفت” بأن حملة دونالد ترامب الرئاسية تعرضت لهجمات إلكترونية إيرانية. وفي ألبانيا، تعرضت مواقع حكومية لاختراقات، بينما تلقى مواطنون سويديون آلاف الرسائل التحريضية المجهولة المصدر.
يعلق نوسيتي على هذه الأنشطة، قائلاً: “كما هو الحال في موسكو وبكين، تعلمت طهران أن الفضاء الإلكتروني يمكن أن يُستخدم كأداة للحفاظ على النظام، وتعزيز المراقبة، وتشويه المعلومات حول المعارضين”.
المافيا.. شريك خفي لطهران
لإدارة عملياتها السرية، تعتمد إيران على شبكات إجرامية محترفة. ماثيو ليفيت، المسؤول السابق في مكافحة التجسس الأمريكي، يوضح أن استئجار المجرمين يمنح إيران غطاءً أمنيًا يسمح بإنكار أي صلة مباشرة بهذه العمليات.
ومن بين هذه الشبكات، تُثار شبهات حول ارتباط أجهزة إيران الإستخباراتية بـ”مافيا موكرو”، وهي منظمة إجرامية تنشط في بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وتسيطر على تجارة المخدرات وتبييض الأموال.
طهران.. ملاذ آمن للمطلوبين دوليًا
خلال السنوات الأخيرة، تحولت إيران إلى ملاذ للمجرمين الأوروبيين المطلوبين دوليًا، ممن قدموا خدمات لشبكاتها الاستخباراتية. أحد أخطر هؤلاء، رامين يكتاباراست، وهو رجل عصابات ألماني-إيراني فرّ إلى طهران عام 2021 بعد أن كان مطلوبًا في ألمانيا بتهمة القتل.
بحسب القضاء الألماني، كان يكتاباراست يتلقى أوامر من وكالات حكومية إيرانية لاغتيال معارضين في أوروبا، لكنه قُتل في طهران في أبريل 2024 في عملية يشتبه بأنها من تنفيذ الموساد، بعد اتهامه بالتخطيط لهجمات ضد دبلوماسي إسرائيلي، وجنرال أمريكي، والكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي.
هذه الحادثة تسلط الضوء على التحالفات السرية بين طهران والجماعات الإجرامية الدولية، حيث يبدو أن إيران ليست مجرد راعية للإرهاب السياسي، بل أيضًا شريك رئيسي في عالم الجريمة المنظمة.
استراتيجية مستمرة في حروب الظل
من الواضح أن إيران تتبنى نهجًا متعدد المستويات في حروبها غير التقليدية، يجمع بين التقنيات الحديثة، وعملاء النفوذ، واستغلال الشبكات الإجرامية. هذه الاستراتيجية تمنحها القدرة على تهديد خصومها دون التورط المباشر، ما يجعل من الصعب مواجهتها بشكل تقليدي.
ومع استمرار هذه العمليات، تتزايد المخاوف في العواصم الغربية من تصاعد النفوذ الإيراني في عالم الجريمة المنظمة، وتحوله إلى تهديد أمني عابر للحدود، مما قد يتطلب استراتيجيات جديدة لمواجهته.