إيران بين أزمة اقتصادية خانقة وطموحات نووية متزايدة

اقتصاد مترنح: تضخم مرتفع وعملة في مهب الريح
بدأت إيران سنتها المالية الجديدة بأوضاع اقتصادية صعبة، حيث سجلت واحدًا من أعلى معدلات التضخم عالميًا، وثاني أضعف عملة بعد الليرة اللبنانية، فضلًا عن أزمة طاقة متفاقمة ونقص حاد متوقع في المياه.
بحسب تقرير نشره موقع “ماكور ريشون” الإسرائيلي بعنوان “80% فقراء: كل البيانات عن الوضع الاقتصادي المزري في إيران”، فإن البلاد تواجه ارتفاعًا حادًا في الأسعار، وانخفاضًا قياسيًا في احتياطيات النقد الأجنبي، وزيادة الديون الحكومية، وسط تساؤلات عن كيفية تأثير هذا الانهيار الاقتصادي على برنامجها النووي.
بلغ معدل التضخم السنوي في 2023 نحو 44.6% وفق بيانات البنك الدولي، وهو ثامن أعلى معدل في العالم.
منذ 2019، ظل معدل التضخم يتجاوز 30% سنويًا، بينما ارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل الخضروات بنسبة 17% خلال شهر فبراير (شباط) فقط.
فقد الريال الإيراني قيمته ليصل إلى مليون ريال مقابل الدولار الأمريكي، مما يجعله ثاني أضعف عملة عالميًا.
دفع الانهيار الاقتصادي 80% من الأسر الإيرانية إلى ما دون خط الفقر، منهم 30% يعيشون في فقر مدقع.
لماذا اشترت إيران 93 طنا من الذهب؟
مع تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بنسبة 75% خلال عام واحد، تحولت إيران إلى تخزين الذهب، حيث استوردت نحو 93 طناً من سبائك الذهب بقيمة 7.3 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف الكمية المستوردة في العام السابق، ومعظمها من تركيا.
نتيجة العقوبات المصرفية الأمريكية، باتت إيران تتلقى المدفوعات عن صادراتها، وخاصة النفط، على شكل سبائك ذهبية بدلًا من النقد.
خلال العام الماضي، تم تحويل 13% من إجمالي رأس المال المتدفق إلى إيران إلى ذهب بدلًا من العملات الأجنبية.
هروب رؤوس الأموال بلغ 12.5 مليار دولار خلال 11 شهرًا.
ارتفعت الديون الحكومية بنسبة 41% خلال العام المالي الماضي، مما دفع الحكومة للاعتماد على الاقتراض المحلي وصندوق التنمية الوطني وإصدار السندات.
رغم أن الدين الخارجي لإيران يبلغ 35% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو رقم منخفض نسبيًا، إلا أن ذلك يعود إلى عزلتها المالية وعدم قدرتها على الحصول على تمويل دولي.
ازداد إجمالي ديون الحكومة بشكل كبير بسبب الاعتماد المتزايد على القروض المحلية، مما تسبب في زيادة السيولة بنسبة 28%، وبالتالي تفاقم التضخم.
أزمة طاقة ومياه تهدد الاقتصاد والحياة اليومية
تعاني إيران للمرة الأولى من نقص مزمن في الطاقة، سواء في الغاز أو الكهرباء، على مدار العام كله.
خلال الصيف الماضي، عانت 20% من المنازل من انقطاع الكهرباء، مما أثر بشكل كبير على الصناعة والإنتاج المحلي.
في الشتاء، ارتفع نقص الغاز إلى 25%، ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة بنسبة 5% أخرى خلال السنة المالية الجديدة، وسط عدم وجود مشاريع جديدة لمصافي النفط.
أما أزمة المياه، فقد بلغت مستويات خطيرة، حيث أفادت التقارير بأن خزانات المياه الرئيسية في طهران تحتوي فقط على 7% من سعتها، مما ينذر بنقص شديد في مياه الشرب بحلول الصيف المقبل.
البرنامج النووي يتقدم رغم الأزمات
على الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية، تواصل إيران تطوير برنامجها النووي دون توقف.
وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمتلك إيران 274.8 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% حتى فبراير (شباط) الماضي.
يكفي 42 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة نووية واحدة، مما يعني أن إيران تمتلك مخزونًا يكفي لصنع 6 قنابل ذرية إذا تمكنت من تخصيبها بشكل كافٍ.
العقبة الرئيسية التي تواجه إيران في امتلاك سلاح نووي ليست تخصيب اليورانيوم، بل التجميع المادي للقنبلة، وهي عملية هندسية معقدة لا يتقنها سوى عدد قليل من الخبراء حول العالم.
احتجاجات متزايدة وضغوط داخلية على النظام
مع تصاعد الأزمات الاقتصادية، تشهد إيران موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، وسط استياء متزايد من سياسات النظام.
يبدو أن المرشد الأعلى علي خامنئي يؤجل أي إجراءات قد تؤدي إلى تفاقم الغضب الشعبي، مثل فرض قيود صارمة على الحجاب الإجباري.
النظام يسعى إلى احتواء الغضب الداخلي عبر التركيز على العداء الخارجي والبرنامج النووي، في محاولة لصرف الأنظار عن المشاكل الاقتصادية الداخلية.
إيران بين الطموحات النووية والانهيار الاقتصادي: إلى أين؟
بينما تمضي إيران قدمًا في مشروعها النووي الطموح، يواجه اقتصادها انهيارًا متسارعًا، مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية وسوء الإدارة المالية. فهل تستطيع إيران الموازنة بين طموحاتها العسكرية والتحديات الاقتصادية المتفاقمة، أم أن الأزمات الداخلية ستفرض عليها إعادة النظر في سياساتها؟