إسرائيل تعيد رسم خارطة الجنوب السوري: بين الأمن والتصعيد العسكري

تصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، في محاولة لفرض واقع جديد، يتجاوز مجرد الردع الأمني إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، أن تل أبيب لن تسمح بأن يتحول جنوب سوريا إلى نسخة أخرى من جنوب لبنان، مشددًا على أن الضربات الأخيرة تستهدف تقويض النفوذ الإيراني وفرض معادلة ردع جديدة.
تصعيد عسكري إسرائيلي في الجنوب السوري
شنَّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية جنوب العاصمة دمشق، تزامنًا مع توغل بري في ريفي القنيطرة ودرعا.
ويرى الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان إبراهيم، في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، أن هذا التصعيد يعكس قلقًا إقليميًا وداخليًا بشأن مستقبل سوريا، خاصة في ظل حكومة ضعيفة ونفوذ إسلامي داخل دمشق، مما يدفع دول الجوار، بما في ذلك إسرائيل، إلى اتخاذ إجراءات استباقية لحماية أمنها القومي.
أما الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، مائير كوهين، فيرى أن إسرائيل احترمت اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 حتى اندلاع الثورة السورية، لكن التدخل الإيراني، بطلب من بشار الأسد، أدى إلى خرق الاتفاق وفرض قواعد جديدة للصراع.
وأشار كوهين إلى أن إسرائيل تسعى لنزع السلاح من جنوب سوريا ومنع وجود الجيش السوري أو أي ميليشيات أخرى، بهدف تحويل المنطقة إلى حزام أمني عازل وفق الرؤية الإسرائيلية.
الأهداف الإسرائيلية: الأمن أم إعادة رسم الخرائط؟
يرى مراقبون أن إسرائيل تستغل حالة عدم الاستقرار في سوريا لإعادة رسم خريطة الجنوب السوري، وفرض واقع أمني جديد يمنع التهديدات المحتملة من الحدود الشمالية.
ويؤكد غسان إبراهيم أن إسرائيل لا تهدف إلى التوسع الجغرافي، لكنها تسعى لضمان أمنها القومي من خلال خلق واقع سياسي مختلف في الجنوب السوري.
في المقابل، يرى الدبلوماسي مائير كوهين أن إسرائيل ليست معنية بفرض نظام سياسي معين داخل سوريا، لكنها تعتبر أن استقرار سوريا يجب أن يكون فيدراليًا، بحيث يتم تقسيم البلاد إلى مناطق ذات حكم ذاتي، مما يحدّ من التأثير الإيراني والتركي ويحقق مصالح إسرائيل الأمنية.
الاتفاقيات الإبراهيمية.. هل تكون بوابة سوريا للتهدئة؟
يعتقد غسان إبراهيم أن هناك توجها داخل بعض الأوساط السورية للانفتاح على الاتفاقيات الإبراهيمية، مشيرًا إلى أن الصدام مع إسرائيل لم يعد أولوية لدى بعض القوى السياسية السورية، وأن تحقيق السلام قد يكون أكثر فائدة للبلاد في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.
لكن مائير كوهين يرى أن أي تقارب محتمل بين سوريا وإسرائيل مرهون باستقرار الأوضاع الداخلية السورية. وأضاف: “إسرائيل لا تمانع في التفاوض مع سوريا، لكن بشرط أن تضمن الأخيرة احترام الأقليات وعدم السماح لإيران بالتمدد داخل أراضيها”.
الرد السوري والضغوط الدولية
في ظل استمرار العمليات الإسرائيلية، أدانت الحكومة السورية التوغل العسكري، مطالبة بـانسحاب فوري للقوات الإسرائيلية. وأكدت دمشق أنها لا تزال ملتزمة باتفاق فك الاشتباك لعام 1974، مما يطرح تساؤلات حول إمكانية عودة التهدئة في الجنوب السوري.
لكن كوهين يرى أن إسرائيل تتحرك ضمن استراتيجية دفاعية لمنع تكرار سيناريو هجوم 7 أكتوبر، معتبرًا أن العمليات العسكرية الأخيرة تهدف إلى تحييد التهديدات المحتملة قبل أن تتفاقم.
ما السيناريوهات المحتملة؟
يبقى المشهد في الجنوب السوري مفتوحًا على جميع الاحتمالات، بين استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي ومحاولات إرساء تفاهمات جديدة. وفيما تؤكد إسرائيل أن “حماية حدودها” هي الهدف الأساسي لتحركاتها العسكرية، ترى الحكومة السورية أن هذه العمليات تندرج ضمن استراتيجية فرض الأمر الواقع بالقوة.