
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة حيز التنفيذ، صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، حيث شن الجيش الإسرائيلي حملة أمنية مكثفة، بينما نفذ مستوطنون هجمات على بلدتين فلسطينيتين، وفق ما أوردته “وكالة الأنباء الألمانية”.
وتأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضغوطًا متزايدة من حلفائه في اليمين المتطرف بعد موافقته على الهدنة وتبادل الأسرى مع حركة “حماس”.
وزاد من تعقيد المشهد السياسي في إسرائيل قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بإلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة سلفه، جو بايدن، على مستوطنين إسرائيليين متهمين بارتكاب أعمال عنف في الضفة الغربية.
هذه المتغيرات قد تهدد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي من المفترض أن يستمر ستة أسابيع على الأقل، ويشمل إطلاق سراح عشرات الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية المسلحة مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين، معظمهم من الضفة الغربية.
تصعيد ميداني في الضفة الغربية
في تصعيد خطير، هاجم مستوطنون ملثمون مساء الاثنين الماضي قريتين فلسطينيتين في شمال الضفة الغربية، حيث ألقوا الحجارة وأضرموا النيران في سيارات ومنازل، ما أسفر عن إصابة 12 فلسطينيًا، وفق ما أفاد به الهلال الأحمر الفلسطيني.
بالتزامن مع ذلك، نفذ الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية في منطقة أخرى بالضفة، متذرعًا بالرد على هجمات بزجاجات حارقة استهدفت مركبات إسرائيلية.
وشهدت مدينة ومخيم جنين، الثلاثاء الماضي، عملية عسكرية واسعة للجيش الإسرائيلي، أسفرت عن مقتل تسعة فلسطينيين، بينهم فتى في السادسة عشرة من عمره، وإصابة نحو 40 آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
وادعى الجيش الإسرائيلي أنه “استهدف مسلحين، وقام بتفكيك عبوات ناسفة وضرب مواقع لحركة حماس”.
تأثيرات أمنية وسياسية
في ظل هذه الحملة العسكرية، فرضت إسرائيل مزيدًا من الحواجز الأمنية في الضفة الغربية، ما زاد من صعوبة تنقل الفلسطينيين.
وتبرر إسرائيل عملياتها العسكرية بأنها جزء من استراتيجيتها لمكافحة “النفوذ الإيراني في المنطقة”، وفق ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي تعهد “بضرب أذرع الأخطبوط الإيراني”.
في المقابل، يرى الفلسطينيون أن هذه العمليات العسكرية والتوسع الاستيطاني يسعيان إلى فرض واقع جديد على الأرض، يعزز السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال، بينما تدير السلطة الفلسطينية المدن والبلدات الرئيسية هناك.
مأزق نتنياهو السياسي
نتنياهو، الذي يحاول احتواء تمرد اليمين المتطرف داخل حكومته، يواجه خطر فقدان الأغلبية البرلمانية إذا استقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي هدد بالانسحاب في حال لم تستأنف إسرائيل الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة.
استقالة سموتريتش، الذي يعدّ الحاكم الفعلي للضفة الغربية، قد تضعف الحكومة بشدة، وتفتح الباب أمام انتخابات مبكرة، مما يعرض نتنياهو لخطر فقدان السلطة ومواجهة المحاكمة بتهم الفساد.
في هذا السياق، تعزز عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض موقف نتنياهو، إذ تحيط الإدارة الجمهورية نفسها بمساعدين مؤيدين للاستيطان الإسرائيلي، ما قد يمنح الحكومة الإسرائيلية مزيدًا من الحرية في التعامل مع الفلسطينيين.
بين التصعيد والتهدئة
في حين يدّعي ترمب أنه كان له دور في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار خلال الأيام الأخيرة من إدارة بايدن، إلا أنه أعرب عن شكوكه في استمراريته، قائلاً: “إنها ليست حربنا، إنها حربهم”.
هذا التصريح قد يفسَّر على أنه ضوء أخضر لإسرائيل لاستئناف عملياتها العسكرية في غزة والضفة الغربية.
مع استمرار الضغوط الداخلية والتحديات الإقليمية، يظل مستقبل الضفة الغربية رهينًا بحسابات نتنياهو السياسية، ومدى قدرته على المناورة بين تهديدات حلفائه في اليمين المتطرف والتداعيات الدولية المحتملة لتصعيده العسكري.