
مع تزايد الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران، تبرز العديد من التساؤلات حول مدى جدية هذه الجهود، والعقبات التي تعترضها، والتداعيات المحتملة على المشهدين الإقليمي والدولي.
التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورسائله الموجهة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، أعادت الملف النووي الإيراني إلى الواجهة، لكنها في الوقت ذاته سلطت الضوء على أزمة الثقة العميقة بين الطرفين.
رسائل متبادلة
كشف ترامب، في السابع من مارس الجاري، عن رسالة بعثها إلى خامنئي، يحثه فيها على استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، مع تحذير من عمل عسكري محتمل.
وأكد مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أن هذه الرسالة لم تكن تهديدًا، بل محاولة لبناء الثقة وتجنب المواجهة العسكرية. إلا أن الرد الإيراني، على لسان خامنئي، جاء حاسمًا بأن طهران لن تتفاوض تحت أي ضغط.
هذه التصريحات تعكس حقيقة واضحة: إيران تدرك أن أي تنازل قد يُنظر إليه كضعف، فيما تسعى إدارة ترامب لفرض شروطها عبر سياسة “العصا والجزرة”، مما يجعل فرص التوصل إلى اتفاق محدودًا بمدى قدرة كل طرف على تقديم تنازلات مقبولة.
أزمة ثقة متجذرة
يرى المراقبون أن أحد أكبر العقبات التي تواجه أي اتفاق جديد هو فقدان الثقة بين الطرفين. فمنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، لم تعد طهران تثق في الالتزامات الأميركية، وتخشى أن تتكرر التجربة مع أي إدارة مستقبلية.
وهذا يعني أن أي اتفاق قادم سيحتاج إلى ضمانات صارمة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل التعقيدات السياسية الداخلية في كل من إيران والولايات المتحدة.
كما أن الحرس الثوري الإيراني، اللاعب الرئيسي في السياسة الإيرانية، يرفض تقديم تنازلات قد تؤثر على نفوذه الإقليمي.
واشنطن تدرك ذلك، وتضع هذا الملف كشرط أساسي لأي اتفاق جديد، مما يعقد فرص الوصول إلى تفاهمات مشتركة.
ضغوط اقتصادية وسياسية
العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة ألحقت ضررًا بالغًا بالاقتصاد الإيراني، ما قد يدفع القيادة الإيرانية لإعادة النظر في موقفها.
الصحفي الإيراني مسعود الفك يرى أن “إيران لديها مصلحة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإذا رأت القيادة أن اتفاقًا جديدًا يمكن أن يحقق ذلك، فقد تكون أكثر انفتاحًا على التفاوض”. لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن طهران قد تفضل الانتظار حتى الانتخابات الأميركية المقبلة عام 2028، لترى إن كانت الإدارة القادمة ستكون أكثر مرونة.
إضافة إلى ذلك، تلعب كل من روسيا والصين دورًا مهمًا في تقريب وجهات النظر، إذ ترى هاتان الدولتان أن أي اتفاق نووي جديد يجب أن يضمن استقرار المنطقة، دون أن يكون على حساب مصالحهما الاستراتيجية مع إيران.
معارضة إقليمية
إلى جانب العقبات الداخلية، تواجه أي مفاوضات جديدة معارضة قوية من بعض دول المنطقة، خاصة إسرائيل، التي تخشى أن يتيح أي اتفاق لإيران الاستمرار في تطوير برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي.
إسرائيل، التي التقى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مع ترامب في البيت الأبيض مؤخرًا، تُجري مشاورات استراتيجية مع واشنطن، وفقًا لموقع أكسيوس.
وتصر تل أبيب على أن أي اتفاق جديد يجب أن يشمل قيودًا صارمة على أنشطة إيران الإقليمية، وهو ما قد يزيد من تعقيد المشهد التفاوضي.
ما السيناريوهات المحتملة؟
في ظل هذه التحديات، يرى بعض المحللين أن احتمالية التوصل إلى اتفاق نووي جديد تبقى ضعيفة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن المواجهة العسكرية باتت حتمية.
المحلل السياسي أحمد الأبيض يشير إلى أن “إيران قد تجد نفسها مضطرة لقبول شروط أميركية إذا استمرت في فقدان أدوات الضغط التي كانت تمتلكها، خاصة مع تصدع نفوذها الإقليمي بفعل الضغوط العسكرية والاقتصادية”.
لكن في المقابل، يرى الصحفي مسعود الفك أن “تحقيق اتفاق جديد يتطلب تقديم تنازلات متبادلة، وهو أمر يبدو صعبًا في ظل الظروف الحالية، إلا إذا تدخلت وساطات دولية قادرة على تقريب وجهات النظر بين الطرفين”.
ومع خسارة إيران لبعض أدوات الضغط، وتزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها، قد تجد طهران نفسها في موقف صعب يجعلها أكثر استعدادًا للتفاوض.
لكن في ظل أزمة الثقة المتجذرة، والمخاوف الإقليمية، والضغوط الداخلية في كلا البلدين، يظل التوصل إلى اتفاق جديد مرهونًا بقدرة الطرفين على تجاوز حساباتهما السياسية، وهو أمر يبدو بعيد المنال في المرحلة الحالية.