الحوثيون بين الهدنة والتصعيد.. تهديد متنامٍ للأمن الإقليمي والدولي

رغم أن الهدنة في غزة أوقفت مؤقتًا هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، إلا أن الجماعة لا تزال تمثل تهديدًا متصاعدًا للاستقرار الإقليمي، وفقًا لإميلي ميليكن، المديرة المساعدة لمبادرة N7 التابعة للمجلس الأطلسي.
ومع إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، بدا أن المجتمع الدولي تنفس الصعداء، خاصة بعدما أعلن الحوثيون تعليق هجماتهم المستمرة منذ 13 شهرًا ضد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر. جاء هذا الإعلان أولًا عبر رسالة بريدية إلى شركات الشحن الدولية، ثم في بيان علني من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
ورغم هذا الإعلان، أكدت الجماعة أنها تحتفظ بحقها في استهداف السفن الإسرائيلية، محذرة من أنها قد تستأنف هجماتها في أي وقت إذا رأت ذلك ضروريًا.
ضربة كبيرة للشحن الدولي
ترى الكاتبة في مقالها المنشور بمجلة ناشيونال إنترست الأميركية أن إعلان الحوثيين مهم، إذ أن عملياتهم البحرية شكلت ضربة كبرى للتجارة العالمية، وأجبرت شركات الشحن على اتخاذ قرارات مكلفة، مثل:
تغيير مسار السفن للمرور عبر القرن الأفريقي لتجنب مضيق باب المندب.
دفع إتاوات للحوثيين مقابل المرور الآمن.
نقل البضائع إلى سفن أصغر للحد من مخاطر الهجمات.
تصعيد داخلي في اليمن وتحولات استراتيجية
رغم الغموض حول ما إذا كان الحوثيون سيستأنفون استهداف السفن بالصواريخ والطائرات المسيّرة، إلا أن تركيزهم اتجه بشكل واضح نحو العمليات الداخلية ضد الحكومة اليمنية والجهات التابعة لها.
وقد تزامنت هذه التحركات مع إعادة تصنيف إدارة دونالد ترامب الجديدة للجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو ما دفع الحوثيين لاتخاذ خطوات لتعزيز سيطرتهم على الأراضي اليمنية. ففي مايو الماضي، قامت الجماعة باحتجاز 13 موظفًا تابعًا للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية محلية ودولية، مما أجبر الأمم المتحدة على تعليق عملياتها وقطع المساعدات عن نحو 80% من اليمنيين الذين يعيشون تحت سيطرة الحوثيين.
تحركات حوثية في مأرب استعدادًا لهجوم موسّع
تُشير التقارير إلى أن الحوثيين قاموا بنقل آلاف المقاتلين إلى الخطوط الأمامية في محافظة مأرب، وبدأوا تنفيذ هجمات تحضيرية تمهيدًا لهجوم عسكري واسع للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية.
بالتوازي مع هذه التحركات العسكرية، أطلقت الجماعة حملة اتصالات مكثفة تستهدف القبائل المحلية في مأرب، للضغط عليها من أجل تسليم المنشآت الاستراتيجية للطاقة والمباني الحكومية والقواعد العسكرية. كما يتباهى العديد من قادة الحوثيين عبر منصة إكس (تويتر سابقًا) باقترابهم من “الضربة النهائية” للسيطرة على اليمن بالكامل.
وقد ذهب أحد المسؤولين الحوثيين إلى أبعد من ذلك، محذرًا علنًا من أن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط باتت “في مرمى صواريخ الجماعة” إذا استمرت إدارة ترامب في “عدائها” لهم.
استراتيجية الحوثيين لكسب النفوذ قبل مفاوضات السلام
على الرغم من الانتهاكات الحقوقية والأعمال المزعزعة للاستقرار التي ترتكبها الجماعة، نادرًا ما تجذب تحركاتها انتباه المجتمع الدولي إلا عندما تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، ترى الكاتبة أن التصعيد الأخير للحوثيين ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا “مجلس القيادة الرئاسي” يجب أن يُنظر إليه على أنه خطوة استراتيجية لاكتساب نفوذ قبل أي مفاوضات سلام محتملة.
هل يسعى الحوثيون للهيمنة المطلقة على الحكم؟
منذ فترة طويلة، رفض الحوثيون المشاركة في أي محادثات مباشرة مع مجلس القيادة الرئاسي، مؤكدين رغبتهم في احتكار سلطة الحكم. وإذا نجحت الجماعة في السيطرة على مأرب، فإن ذلك سيوسع قاعدتها الاقتصادية ويمنحها قدرًا أكبر من الشرعية الدولية.
وفي المقابل، فإن فقدان الحكومة اليمنية لمأرب سيؤدي إلى تآكل سيطرتها بشكل كبير، مما يُضعف موقفها أمام المجتمع الدولي ويقلل من قدرتها على فرض سلطتها على الأرض.
انعكاسات السيطرة الحوثية على اليمن
إذا تمكن الحوثيون من بسط سيطرتهم الكاملة على اليمن، فسيكون لذلك عواقب وخيمة على المنطقة وعلى الولايات المتحدة وحلفائها.
سيصبح اليمن نقطة نفوذ إيرانية رئيسية، مما يمنح طهران سيطرة غير مسبوقة على مضيق باب المندب، وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
قد يؤدي ذلك إلى توسع الحوثيين خارج حدود اليمن وتعزيز تعاونهم مع خصوم الولايات المتحدة، مثل روسيا والصين.
تعاون مع القاعدة ومرتزقة في أوكرانيا
التقارير تشير بالفعل إلى أن الحوثيين يعملون مع فرع تنظيم القاعدة في الصومال المعروف باسم “حركة الشباب”. كما تفيد تقارير أخرى بوجود مرتزقة حوثيين يقاتلون في أوكرانيا، مع احتمال وجود اتفاقية بين الجماعة وموسكو يتم بموجبها تزويد الحوثيين بصواريخ متطورة مضادة للسفن.
هل تدعم الصين الحوثيين؟
بحسب بعض المزاعم، فإن الصين تلعب دورًا في دعم الحوثيين عبر تزويدهم بأسلحة متطورة. وإذا صحت هذه التقارير، فإن ذلك يثبت أن الجماعة لم تعد مجرد ميليشيا محلية، بل أصبحت لاعبًا إقليميًا ودوليًا يسعى لاستغلال تحالفاته الاستراتيجية.
الحوثيون من تمرد محلي إلى تحدٍّ جيوسياسي
تُشير الكاتبة إلى أن جماعة الحوثي باتت تفكر على نطاق أوسع من مجرد التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، مما يعكس طموحها للعب دور محوري في المشهد الجيوسياسي العالمي.
وإذا لم تُتخذ خطوات ملموسة لكبح توسع الحوثيين، فإن ما بدأ كحركة تمرد محلية قد يتحول إلى أزمة عالمية ذات تداعيات خطيرة على الاقتصاد والأمن الدوليين.