لغز اليمن… في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

بقلم: خير الله خير الله
نُشر في صحيفة الرأي الكويتية
يبقى اليمن منذ خروج على عبدالله صالح من السلطة في فبراير 2012، لغزًا غامضًا يزداد تعقيدًا. وجاءت سيطرة الحوثيين، المدعومين من إيران، على صنعاء في سبتمبر 2014 لتعمق الأزمة وتجعل المشهد اليمني أكثر غموضًا.
الحوثيون وأجندة إيران التوسعية
يتعامل الحوثيون، المعروفون باسم “أنصار الله”، بمنطق يتجاهل معاناة السكان في المناطق التي يسيطرون عليها. أولويتهم هي تنفيذ الأجندة الإيرانية، حيث تسعى “الجمهورية الإسلامية” إلى تعزيز وجودها في شبه الجزيرة العربية. وتعد سيطرة الحوثيين على شمال اليمن جزءًا من مشروع إيراني يهدف إلى استخدام المنطقة كورقة ضغط في صراعاتها الإقليمية.
منذ أحداث غزة في أكتوبر 2023، والتي أطلقتها “حماس” في إطار عملية “طوفان الأقصى”، أدخلت إيران الحوثيين في خط المواجهة لتوسيع رقعة النزاع مع إسرائيل. رغم ذلك، باءت محاولات طهران بالفشل، حيث لم تؤدِ هجماتها إلا إلى تفاقم معاناة الفلسطينيين في غزة، وتراجع نفوذها في لبنان وسوريا.
اليمن: ورقة في الحسابات الإقليمية
على الرغم من أن الحوثيين يستخدمون شمال اليمن كقاعدة لإطلاق الصواريخ وإلحاق الضرر بحركة الملاحة في البحر الأحمر، فإن أضرارهم الكبرى تقع على مصر، حيث انخفضت إيرادات قناة السويس. وفي المقابل، لم تؤثر هذه الهجمات بشكل كبير على إسرائيل.
يظل الشمال اليمني محاصرًا بالعزلة التاريخية. الحوثيون، الذين يرتبطون بعلاقات وثيقة مع “حزب الله”، يعتمدون على طبيعة التضاريس اليمنية التي تتيح لهم إخفاء أسلحتهم وصواريخهم. وفي الوقت نفسه، يسعون إلى تغيير طبيعة المجتمع في المناطق التي يسيطرون عليها، متجاهلين القيم القبلية الراسخة.
الشرعية اليمنية ومسار التغيير
يرى الكاتب أن “الشرعية” اليمنية بقيادة الدكتور رشاد العليمي مطالبة باتخاذ خطوات فعالة لمواجهة الحوثيين، خاصة في ظل توافر قوى محلية مناهضة قادرة على التحرك. إلا أن العالم الغربي، الذي تهاون في مواجهة الحوثيين منذ اتفاق ستوكهولم 2018، لا يبدو مستعدًا لاتخاذ إجراءات حاسمة.
هل حان وقت التغيير؟ الإجابة تكمن في مدى استعداد المجتمع الدولي للتعامل مع خطر الحوثيين بجدية، خاصة وأن الأذى الذي يلحقه الحوثيون لا يزال محدودًا نسبيًا، وينحصر في معاناة الشعب اليمني.
الشمال والجنوب: معادلة تاريخية
لطالما كان شمال اليمن منعزلًا مقارنة بالجنوب، الذي يحظى بأهمية استراتيجية بفضل سواحله الممتدة من بحر العرب إلى باب المندب. هذه المعادلة الجغرافية تعكس التحديات القائمة، حيث يتطلب الوضع اليمني استراتيجية متوازنة تراعي أهمية الجنوب بالنسبة للعالم، دون تجاهل ضرورة إيجاد حلول للشمال الذي تحول إلى مسرح للصراعات الإقليمية.
يظل لغز اليمن معقدًا، لكنه ليس عصيًا على الحل. سيأتي يوم يتغير فيه الوضع، وتتراجع فيه الهيمنة الإيرانية. إلا أن ذلك يتطلب إرادة محلية ودولية قوية لمعالجة جذور الأزمة اليمنية وإنهاء معاناة شعبه.