
تُعدّ سوريا جبهة رئيسية بالنسبة لإسرائيل في سياق إعادة تشكيل محيطها، في إطار ما يعرف بـ “الشرق الأوسط الجديد” الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب أحداث “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
مع سقوط نظام بشار الأسد وتراجع نفوذ إيران، تظهر في الأوساط الإسرائيلية تساؤلات حول البدائل المحتملة لهذا النفوذ في سوريا، وتركز الأنظار بشكل متزايد على الدور التركي المتصاعد في المنطقة.
ناقش المسؤولون الإسرائيليون في الآونة الأخيرة مسألة النفوذ التركي في سوريا ومستوى التهديد الذي قد يشكله على إسرائيل، خصوصًا في ظل نمو هذا النفوذ بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. هذا التوجه جاء بعد توصية لجنة “ناغل” الحكومية التي دعت إلى الاستعداد لحرب محتملة مع تركيا.
هل تستعد إسرائيل لحرب مع تركيا؟
يتساءل الكثيرون: هل تستعد إسرائيل فعلاً لحرب مع تركيا؟ وما الدور الأمني الذي يمكن أن تلعبه سوريا في هذا السياق، خاصة مع التغيرات التي تشهدها حاليًا؟ وهل يشكل التمدد التركي تهديدًا أكبر من النفوذ الإيراني بالنسبة لأمن إسرائيل؟
في هذا السياق، يرى الكاتب والباحث في الشؤون التركية محمود علوش، أن التحول في المشهد السوري يتيح فرصًا لتركيا لكنه في الوقت ذاته يعزز المخاوف الإسرائيلية.
ويضيف علوش لـ”النهار” أن الإسرائيليين يخشون من أن هذا الحضور التركي قد يُقوض قدرتهم على التحرك في سوريا كما كانوا يفعلون في الماضي. بالإضافة إلى ذلك، هناك هاجس من إمكانية تشكيل تحالف استراتيجي بين أنقرة والنظام الجديد في سوريا، وهو ما قد يعزز دور تركيا كوسيط أمني في المنطقة.
الخطر الأكبر: تركيا أم إيران؟
على الرغم من التوترات المتصاعدة بين تركيا وإسرائيل في المنطقة، يستبعد علوش أن تصل هذه المنافسة إلى مستوى الحرب المباشرة، معتبرًا أن هذه العلاقة لا تزال حيوية للطرفين.
ويوضح علوش أن العلاقة بين تركيا وإسرائيل قد تكون ضرورية لإدارة المنافسة بينهما وتجنب تصعيدها. يضيف أن العامل الأمريكي سيكون حاسمًا في ضبط هذه التوترات، مما يضع ضغطًا إضافيًا على إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب في الشرق الأوسط.
وبالرغم من أن تركيا ليست تشكل تهديدًا مماثلًا للتهديد الإيراني من الناحية الاستراتيجية لإسرائيل، إلا أن النفوذ التركي المتزايد قد يعرقل قدرة إسرائيل على التحرك في المنطقة، خصوصًا بعد حرب 7 أكتوبر 2023.
تهديد مستقبلي:
وفيما يتعلق بتغيير النظام في سوريا، يوضح الباحث سعيد الحاج أن هذا التغيير شكل فرصة كبيرة لإسرائيل في البداية، خاصة في ما يتعلق بالقصف والتمدد في الأراضي السورية. لكن مع تطور الأحداث، بدأ يشكل هذا التغيير تهديدًا لإسرائيل بسبب حالة الغموض بشأن مستقبل سوريا.
ويشير الحاج إلى أن النظام الجديد في سوريا بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) يمثل لاعبًا غير معروف بالنسبة لإسرائيل، مما يزيد من حالة القلق والخوف من ملء الفراغ الذي خلفه الأسد.
كما يعزز هذا القلق تزايد نفوذ تركيا في سوريا، رغم عدم وجود احتمال لمواجهة مباشرة بين أنقرة وتل أبيب في الوقت الراهن.
منذ عام 2020، بدأت إسرائيل تصنف تركيا ضمن الدول التي تشكل تهديدًا مستقبليًا، وفي الآونة الأخيرة أوصت لجنة إسرائيلية بتعزيز القوة العسكرية والاستعداد لأي مواجهة مع تركيا. ويعتقد الحاج أن تركيا قد تبني قواعد عسكرية في سوريا وتُبرم اتفاقات أمنية مباشرة، مما يعني وجودًا تركيًا على حدود إسرائيل.
في الختام، فإن إدراج تركيا ضمن قائمة التهديدات الإسرائيلية يعد منطقيًا بالنظر إلى تزايد التناقضات في المصالح بين البلدين في سوريا.
ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة حليفة للطرفين وتمتلك الأدوات اللازمة لتجنب أي تصادم مباشر بينهما، مما يبقي الصراع محدودًا إلى حد كبير في المرحلة الحالية، في انتظار التغيرات في التحالفات وموازين القوى في سوريا.