
عندما يستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض اليوم الثلاثاء، ستركز المحادثات على شرق أوسط جديد، حيث أتاح التفوق العسكري الإسرائيلي، المدعوم من الولايات المتحدة، تغيير موازين القوى في المنطقة لصالح حلفاء واشنطن.
ولكن التحدي الذي يواجه ترامب الآن هو كيفية استثمار هذه اللحظة الاستثنائية.
من الصعب المبالغة في تأثير الضربات التي وجهتها إسرائيل مؤخرًا ضد خصمها المشترك، إيران، وما يُعرف بـ “محور المقاومة”. فقد تعرض حزب الله اللبناني، أهم وكلاء إيران في المنطقة، لضغوط شديدة، حتى أن قيادته فقدت قدرتها على السيطرة.
كما أن حماس، التي شنت هجومًا ضد إسرائيل قبل 16 شهرًا، تراجعت بشكل كبير، وأصبحت مجرد ظل لمجموعتها السابقة.
أما سوريا، التي كانت في الماضي حلقة وصل بين طهران ولبنان، فقد شهدت تحولًا كبيرًا بعد تراجع الدعم الإيراني والروسي للنظام الأسدي.
إيران نفسها ارتكبت خطأ فادحًا عندما شنت هجمات مباشرة على إسرائيل، مما سمح بمشاركة عربية في الدفاع الإقليمي ضد الصواريخ، بدعم من الولايات المتحدة.
هذه الهجمات أسفرت عن ضربات انتقامية إسرائيلية كشفت عن نقاط ضعف كبيرة في الدفاعات الإيرانية.
إنها لحظة نادرة في الشرق الأوسط، حيث الفرص تفوق المخاطر، ويمكن للقوة الأمريكية أن تساهم في اختراقات دبلوماسية كان من الصعب تصورها في الماضي.
الفرصة لتحقيق اتفاقات سلام تاريخية:
الآن، يملك ترامب فرصة حقيقية لتحويل هذه اللحظة المليئة بالأمل إلى اتفاقيات سلام شاملة مع شركائه الإسرائيليين على خمس جبهات رئيسية: مع سوريا، لبنان، المملكة العربية السعودية، الدول العربية والإسلامية الأوسع، والفلسطينيين.
ورغم أن هذا يبدو طموحًا، إلا أنه ليس بعيدًا عن التحقيق.
سوريا ولبنان: بداية خطوات السلام:
بالنسبة لسوريا ولبنان، المهمة الأولى هي تعزيز الاستقرار الداخلي للحكومات الجديدة في كلا البلدين، كي لا تتمكن القوى الخارجية مثل إيران وتركيا من التأثير على مجريات الأمور.
في لبنان، يعني ذلك تحذير القيادة الجديدة من السماح لحزب الله بالتحكم في وزارات رئيسية، مما يضمن عودته للسلطة.
أما في سوريا، يتطلب الأمر تقديم حوافز للقيادة الجديدة لإتمام طرد القوات الروسية من قواعدها العسكرية في البحر الأبيض المتوسط، والترحيب بالأكراد والدروز والمسيحيين والعلويين كجزء من سوريا حرة وموحدة ولكن لامركزية.
على الرغم من التحديات، فإن الطريق إلى السلام بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان بعد الأسد وحزب الله ليس مستحيلاً.
يجب على واشنطن تشجيع خطوات تدريجية مثل اتفاقيات ترسيم الحدود، ومراقبة متبادلة بين إسرائيل ولبنان، وتحديث اتفاقية فك الارتباط بين إسرائيل وسوريا.
التقدم مع المملكة العربية السعودية:
التقدم في العلاقات مع المملكة العربية السعودية سيكون حافزًا كبيرًا للمضي قدمًا في هذا المسار.
تنتظر الرياض توقيع اتفاقيات دفاع وتطبيع ثلاثية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي اتفاقات تفاوضت عليها إدارة بايدن.
هذه الخطوة ستكون نقطة تحول كبيرة، حيث سيفتح الباب أمام المزيد من الدول العربية والإسلامية للتوصل إلى اتفاقات مع إسرائيل، بما في ذلك دول الخليج وشركاء بعيدين مثل إندونيسيا وموريتانيا.
الشرط الأساسي لتحقيق هذا التطبيع هو إرساء استقرار طويل الأمد في غزة من خلال اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، بالإضافة إلى التزام إسرائيلي بمسار سياسي مع الفلسطينيين.
هذا يشكل تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل اعتراضات بعض الأطراف الإسرائيلية على تضمين السلطة الفلسطينية في أي عملية سلام.
التحديات التي قد تعرقل السلام:
بالطبع، لن يكون الطريق إلى السلام سهلاً. فحماس قد تنتهك وقف إطلاق النار، مما يؤدي إلى تجدد الحرب.
كما قد يفشل السياسيون اللبنانيون في إعادة بناء دولتهم، مما يمهد الطريق لعودة حزب الله. وفي سوريا، قد تتراجع القيادة الجديدة لصالح أيديولوجيات جهادية، مما يهدد الاستقرار ويؤدي إلى تجدد الحرب الأهلية.
من جهة أخرى، قد تطالب السعودية بمزيد من التنازلات على جبهة الفلسطينيين، مما يجعل التوصل إلى اتفاق صعبًا على أي زعيم إسرائيلي في المرحلة الحالية.
وقد يشعل اليمين المتطرف في إسرائيل عاصفة من العنف إذا شعر بأن حلم “إسرائيل الكبرى” مهدد.
إيران: التحدي الأكبر للسلام:
وأخيرًا، قد تسعى إيران لتعويض ضعفها العسكري التقليدي من خلال تسريع برامجها النووية، مما يعكس آفاق السلام ويؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة.
إن نجاح ترامب في التعامل مع هذه التحديات يتطلب مهارة دبلوماسية وحكمة كبيرة.
ورغم المخاطر المحتملة، تظل هذه التحديات أفضل من الوضع الذي كان عليه الشرق الأوسط قبل ستة أشهر، عندما بدأت القوة العسكرية الإسرائيلية في تغيير معادلات اللعبة.
ومع المحادثات بين ترامب ونتنياهو، قد تبدأ هذه الاحتمالات في التحول إلى واقع ملموس.