حلم ترامب الاستعماري يمتد إلى غزة

في ظل تصاعد التوترات السياسية داخل الولايات المتحدة وخارجها، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات مثيرة للجدل حول مستقبل قطاع غزة، مشيرًا إلى خطة لإخلائه بالكامل من سكانه الفلسطينيين وإعادة توطينهم في أماكن أخرى، في خطوة وصفها بأنها “ستوفر لهم حياة أفضل”. كما اقترح أن “تمتلك” الولايات المتحدة غزة، وتقوم بتطويرها اقتصاديًا، ما أثار موجة من الدهشة والانتقادات.
الاحتجاجات ضد بايدن تمهد الطريق لترامب
على مدار الأشهر الماضية قبيل انتخاب ترامب، شهدت الولايات المتحدة احتجاجات واسعة ضد سياسة الرئيس السابق جو بايدن تجاه غزة، حيث تصاعد الغضب داخل الأوساط الشبابية والجاليات العربية والإسلامية بسبب ما اعتبروه دعمًا غير مشروط لإسرائيل. انعكست هذه الحالة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، حيث صوّت عدد كبير من الناخبين “تصويتًا غير ملتزم”، فيما امتنع آخرون عن التصويت أو دعموا ترامب نكاية في بايدن، كما حدث في مدينة ديربورن ذات الأغلبية العربية في ولاية ميشيغان.
ترامب يقترح إخلاء غزة بالكامل من الفلسطينيين
خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن ترامب عن خطته لإبعاد جميع الفلسطينيين عن قطاع غزة بشكل دائم، حيث قال: “نحن نتحدث عن مليون وسبعمائة ألف أو ربما مليون وثمانمائة ألف فلسطيني. أعتقد أنه يجب أن يغادروا جميعًا. يجب إعادة توطينهم في أماكن أخرى حيث يمكنهم العيش حياة جميلة، دون القلق من الموت كل يوم.”
أثار هذا التصريح دهشة الصحفيين، وسألته كيلي أودونيل من شبكة “إن بي سي نيوز”: “أنت تتحدث عن استيلاء الولايات المتحدة على منطقة ذات سيادة. ما هي السلطة التي تسمح لك بفعل ذلك؟ هل تتحدث عن احتلال دائم؟”
فأجاب ترامب بكل بساطة، وكأن غزة مجرد مشروع استثماري: “أرى موقف ملكية طويل الأمد. الجميع يحب فكرة امتلاك الولايات المتحدة لتلك القطعة من الأرض، وتطويرها وخلق آلاف الوظائف، سيكون هذا أمرًا رائعًا!”
من النهر إلى البحر.. هل ينتهي وجود فلسطين؟
لم تقتصر تصريحات ترامب المثيرة للجدل على قطاع غزة فقط، بل امتدت إلى الضفة الغربية أيضًا، حيث قال إنه يفكر في طرد الفلسطينيين منها ومنح أراضيها لإسرائيل. وعندما سُئل عن احتمال منح إسرائيل السيطرة الكاملة على “يهودا والسامرة” – المصطلح الذي يستخدمه الإسرائيليون للإشارة إلى الضفة الغربية – أجاب: “نحن نناقش ذلك، والناس يحبون الفكرة.” وأضاف أنه سيصدر إعلانًا رسميًا بهذا الشأن في الأسابيع المقبلة.
نتنياهو يبتهج بالمقترح
رغم أن تصريحات ترامب تجاوزت حتى أكثر مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تطرفًا، إلا أن الأخير لم يُخفِ إعجابه بها، حيث صرح خلال المؤتمر الصحفي قائلًا: “ترامب يأخذ الأمر إلى مستوى أعلى بكثير. أعتقد أنه شيء يمكن أن يغير التاريخ، ويستحق منا حقًا متابعته.”
كما انتهز نتنياهو الفرصة لانتقاد بايدن، مشيدًا بترامب لإرساله أسلحة إلى إسرائيل بعد أن كان بايدن قد عرقل بعض الشحنات. كما أثنى على قرار ترامب برفع العقوبات التي فرضها بايدن على المستوطنين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
انعكاسات دولية وإنسانية كارثية
يرى الكاتب الأمريكي دانا ميليبانك، في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، أن مقترحات ترامب تمثل “عملًا من القسوة الشديدة”، مشيرًا إلى أن العالم لم يحسم بعد مصير 1.5 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في المخيمات، فكيف يمكن التعامل مع تهجير 2 مليون آخرين من غزة؟ وما مصير نحو 5 ملايين فلسطيني إذا امتد الطرد القسري ليشمل الضفة الغربية أيضًا؟
وأضاف ميليبانك أن ترامب، الذي طالما أبدى إعجابه بالأنظمة الاستعمارية، يتعامل مع غزة كما لو كانت مستعمرة جديدة يمكن للولايات المتحدة ضمها واستثمارها، دون أي اعتبار للحقوق الإنسانية والسياسية للفلسطينيين.
خاتمة.. مستقبل مجهول لغزة والقضية الفلسطينية
ما بين تصاعد الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة، والتحولات في السياسة الإسرائيلية، تبقى القضية الفلسطينية أمام مستقبل غامض. هل ستكون تصريحات ترامب مجرد وعود، أم أن هناك تحركات فعلية ستُتخذ؟ الأكيد أن هذه الطروحات تمثل تهديدًا غير مسبوق للوجود الفلسطيني، وقد تؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة بأكملها.