من أكتوبر إلى التحولات الكبرى.. حرب غزة تغير ملامح الشرق الأوسط

في السابع من أكتوبر 2023، أطلقت حركة حماس هجومًا مباغتًا على إسرائيل، متجاوزة الحدود مع غزة، ما أشعل حربًا مدمرة غيرت المشهد الإقليمي بطرق غير متوقعة. ومع مرور خمسة عشر شهرًا، ومع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، يبدو أن تداعيات هذا الصراع قد أعادت تشكيل التحالفات والنفوذ في الشرق الأوسط.
إسرائيل: انتصار عسكري وتحديات دبلوماسية
ركزت إسرائيل على إعادة تأكيد هيمنتها العسكرية عبر عمليات موسعة في غزة ولبنان، استهدفت القضاء على حماس وحزب الله، الذراع الرئيسية لإيران في المنطقة. وبينما نجحت تل أبيب في قتل قادة بارزين، من بينهم حسن نصر الله ويحيى السنوار، لم تحقق الانتصار الكامل الذي وعدت به.
داخليًا، تضرر الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة الحرب، وعادت الانقسامات السياسية لتطفو على السطح بعد فترة وجيزة من الوحدة الوطنية. دوليًا، تراجعت مكانة إسرائيل بسبب الانتقادات المستمرة لاستراتيجيتها العسكرية، مما يهدد جهودها لتطبيع العلاقات مع دول مثل السعودية.
ومع تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، يتوقع مراقبون أن تشهد المنطقة جهودًا جديدة لإحياء تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، استنادًا إلى مبادراته السابقة.
حماس وحزب الله: ضربة قاصمة لكن ليست قاتلة
رغم الدمار الكبير الذي لحق بغزة ومقتل عشرات الآلاف، تمكنت حماس من الاحتفاظ بقدرة قتالية كبيرة بعد تجنيد مقاتلين جدد. ومع ذلك، فقدت الحركة الكثير من شعبيتها بين سكان غزة الذين دفعوا الثمن الأكبر للحرب.
على الجانب الآخر، تعرض حزب الله لضربات موجعة أفقدته كبار قادته، وأضعفت هيمنته على لبنان. ومع ذلك، لا يزال الحزب يحتفظ بدعم كبير بين الطائفة الشيعية، مما قد يمكنه من إعادة بناء نفوذه داخل النظام السياسي اللبناني المنقسم.
لبنان وسوريا: تحولات دراماتيكية
شهد لبنان نهاية الجمود السياسي بانتخاب رئيس جديد وتعيين رئيس وزراء بدعم سعودي وأمريكي، ما أتاح أفقًا جديدًا للاستقرار، ولو كان هشًا. ومع ذلك، لا تزال البلاد تعاني من تبعات الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي، وتحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة الإعمار.
أما في سوريا، فقد كانت الإطاحة ببشار الأسد واحدة من أبرز نتائج الصراع. وبرغم سقوط نظامه، إلا أن البلاد تواجه حالة من عدم الاستقرار، وسط تنافس إقليمي ودولي على النفوذ. ومع تراجع دور روسيا وإيران، تبدو تركيا في موقع محوري لتشكيل مستقبل سوريا، بينما تراقب الدول المجاورة وأوروبا الوضع عن كثب.
إيران: انهيار شبكة التحالفات وضعف النفوذ
كانت إيران الخاسر الأكبر في هذه التحولات، حيث تعرض “محور المقاومة” الذي شكلته لضربات متتالية، ما أضعف قدرتها على التأثير الإقليمي. ومع تصاعد الضغوط الدولية، قد تجد طهران نفسها مضطرة للتوجه نحو عسكرة برنامجها النووي لضمان بقائها في وجه هذه التغيرات.
مشهد ضبابي ومستقبل غير مستقر
في ظل هذا التحول الجذري، يبدو الشرق الأوسط مقبلا على مرحلة جديدة من الصراعات وإعادة تشكيل التحالفات. وبينما تتصارع القوى الإقليمية والدولية على النفوذ، يبقى المدنيون في غزة ولبنان وسوريا الأكثر تضررًا من هذه التداعيات.
هل ستشهد المنطقة استقرارا نسبيا في ظل إعادة ترتيب الأوراق؟ أم أن ديناميات الصراع ستنتج جولة جديدة من الأزمات؟