Podcast Icon
سياسة

مجلس الشيوخ اللبناني.. بين مطرقة الطائفية وسندان الإصلاح

عودة الجدل: مجلس الشيوخ يعود إلى الواجهة من بوابة الانتخابات
مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي النيابي في لبنان، عاد الحديث عن إنشاء “مجلس الشيوخ” إلى الواجهة — هذا المجلس الذي نص عليه “اتفاق الطائف” كخطوة أساسية نحو إصلاح النظام السياسي وتخفيف الطائفية في البرلمان.

ورغم توافق معظم القوى السياسية على مبدأ إنشائه، تبقى تفاصيل الصلاحيات والآليات نقطة خلاف، خاصة مع ربط تأسيسه بانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي — وهو شرط يبدو بعيد المنال في ظل النظام الحالي الذي يقوم على المناصفة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين.

“مجلس الشيوخ” في أروقة البرلمان: توافق على الفكرة وتعثر بالتنفيذ
شهدت جلسة اللجان النيابية المشتركة، يوم الاثنين، نقاشاً حاداً حول المشروع، وسط اختلافات جوهرية بشأن آلية تشكيل المجلس وصلاحياته.

النائب سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب، شدد على أن الطرح يجب أن يكون “جزءاً من ورشة دستورية كبيرة”، محذراً من مناقشة المشروع قبل حسم صلاحيات المجلس وعلاقته بالسلطتين التشريعية والتنفيذية.

وفي موقف مشابه، أكد النائب هادي أبو الحسن، أمين سر “اللقاء الديمقراطي”، أن “مجلس الشيوخ بند إصلاحي أساسي”، لكنه يجب أن يترافق مع قانون انتخابي وطني غير طائفي، معتبراً أن الإصلاح السياسي هو “المدخل الحقيقي لأي تغيير”.

أما النائب سليم عون، من “التيار الوطني الحر”، فقد دعا إلى إطلاق النقاش “دون تردد”، مستنداً إلى كون المجلس جزءاً من اتفاق الطائف، معتبراً أن الأسئلة المطروحة مشروعة، لكنها “يجب ألا تعطل البحث في إنشاء المجلس”.

اتفاق الطائف: نص واضح وتفاصيل غامضة
ينص اتفاق الطائف على أنه “مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية”.

لكن الاتفاق لم يحدد ما هي هذه “القضايا المصيرية”، ولا طائفة رئيس المجلس، ما فتح الباب أمام مطالبات متضاربة:

الطائفة الدرزية تطالب برئاسة المجلس، استناداً لما يقال إنه “تفاهم غير معلن” خلال مفاوضات الطائف.

الطائفة الأرثوذكسية تعتبر أن المنصب “حق لها” لتعويض غيابها عن المناصب العليا.

صلاحيات مجلس الشيوخ: ما الذي سيبتُّ فيه؟
وفق دراسة سابقة نشرتها “الدولية للمعلومات”، فإن “القضايا المصيرية” التي يفترض أن يبت فيها مجلس الشيوخ تشمل — حسب المادة 65 من الدستور — القرارات التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة، مثل:

تعديل الدستور.

إعلان الحرب أو السلم.

إعلان حالة الطوارئ أو إلغاؤها.

الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

الموازنة العامة والخطط الإنمائية الشاملة.

إعادة النظر بالتقسيم الإداري.

حل مجلس النواب.

قوانين الجنسية والأحوال الشخصية.

إقالة الوزراء.

معوقات التنفيذ: بين الحسابات الطائفية وغياب الآليات
الخبير الدستوري سعيد مالك يصف المشروع بأنه “حاجة وضرورة”، لكنه يرى أن “التوقيت غير ملائم”، لأن المجلس “صُمم ليحافظ على التوازن الطائفي بعد تشكيل برلمان لا طائفي” — وهو ما لم يتحقق.

وأضاف مالك أن “الدستور لم يحدد شكل مجلس الشيوخ وآلية عمله”، ما يتطلب “نقاشاً عميقاً ومطولاً للوصول إلى تصور واضح”.

هل يشكل مجلس الشيوخ بداية الإصلاح أم تعزيزاً للطائفية؟
رغم أن الهدف المعلن لإنشاء المجلس هو تخفيف الطائفية في البرلمان، يرى معارضون أن المشروع قد يؤدي إلى تعزيز الطائفية بشكل مقنّع، من خلال تثبيت المحاصصة الطائفية بمجلس الشيوخ، بينما يبقى البرلمان عرضة للتجاذبات الطائفية أيضاً.

من جهة أخرى، يدافع المؤيدون عن المشروع باعتباره “حلاً وسطاً” يضمن تمثيل الطوائف في القضايا المصيرية، مع ترك البرلمان للتمثيل الوطني، ما يمهد تدريجياً لإلغاء الطائفية السياسية.

خلاصة المشهد: مجلس الشيوخ.. مشروع معلق بين الواقع والطموح
يبقى إنشاء “مجلس الشيوخ” في لبنان ملفاً معقداً، محكوماً بحسابات طائفية وحسابات سياسية تتجاوز النصوص الدستورية. وبينما يُطرح المشروع كخطوة إصلاحية، يخشى البعض أن يتحول إلى مجلس طائفي موازٍ يكرّس الانقسام بدلاً من إنهائه.

السؤال الأهم: هل يستطيع لبنان تجاوز عقبة الطائفية لإطلاق ورشة دستورية حقيقية، أم أن المجلس المنتظر سيبقى حلماً مؤجلاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى