الحوار الوطني السوري بين التحديات والآمال: هل ينجح في رسم مستقبل جديد؟

اختتمت أعمال الحوار الوطني السوري في دمشق وسط أجواء مشحونة بتحديات سياسية وأمنية معقدة، أبرزها الغيابات عن بعض الجلسات، والانتقادات الداخلية، والتصعيد الإسرائيلي المتزايد.
تأكيد على وحدة سوريا ورفض التدخلات الخارجية
شهد البيان الختامي للحوار الوطني تأكيدًا على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة، وضرورة الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الإسرائيلية من الأراضي السورية. كما شدد على رفض التدخلات الخارجية، ودعا إلى تعزيز مبادئ التعايش السلمي ونبذ العنف، إلى جانب الإسراع في تشكيل مجلس تشريعي ولجنة دستورية لصياغة دستور جديد يعزز العدالة والحقوق المدنية.
انتقادات داخلية واعتراضات على المؤتمر
رغم تأكيد المشاركين على أهمية المؤتمر، قوبل الحدث بمعارضة حادة من قبل “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا، التي اعتبرت أن المؤتمر لا يمثل الشعب السوري بشكل شامل، وعبرت عن استيائها من طريقة إدارته ومخرجاته.
كما انتقدت عدم إشراك بعض الأطراف الفاعلة، معتبرة أن دمشق لم تتعامل بجدية مع فكرة الحوار الوطني، مما دفعها إلى مقاطعة المؤتمر وعدم الاعتراف بنتائجه.
تصعيد إسرائيلي بالتزامن مع الحوار
في الوقت الذي كان المؤتمر منعقدًا، تصاعدت التهديدات الإسرائيلية تجاه سوريا، حيث وصف وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الحكومة السورية بأنها “جماعة إرهابية استولت على دمشق بالقوة”.
كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن التزام حكومته بحماية الطائفة الدرزية، مما أثار احتجاجات واسعة في السويداء ودرعا والقنيطرة، حيث رفض الأهالي أي تدخل إسرائيلي في الشأن السوري.
وفي سياق متصل، أعلنت بعض الفصائل المسلحة في السويداء عن تشكيل مجلس عسكري مستقل، في خطوة تزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
الحوار الوطني خطوة إيجابية رغم المآخذ
يرى الباحث السياسي محمد العمري أن انعقاد الحوار الوطني السوري خطوة إيجابية رغم المآخذ والانتقادات، مشيرًا إلى أن المخرجات التي بلغت 19 بندًا قد تشكل خارطة طريق لسوريا المستقبل، لكنها تواجه تحديات كبرى في التطبيق.
وأضاف العمري، خلال حديثه لبرنامج “التاسعة” على سكاي نيوز عربية، أن على السوريين التفاعل مع هذه المخرجات على مستوى الأفراد والكيانات، معتبرًا أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية.
أما بشأن الانتقادات الموجهة للمؤتمر، أوضح العمري أن اللجنة التحضيرية أكدت منذ البداية أن المؤتمر يجمع الأفراد وليس التكتلات السياسية، منتقدًا موقف “الإدارة الذاتية”، حيث قال: “لا يمكن لكيان واحد أن يدّعي تمثيل كل السوريين، فالحل يجب أن يكون شاملاً وجامعًا لكافة الأطراف الفاعلة”.
إسرائيل واستغلال عدم الاستقرار السوري
فيما يتعلق بالدور الإسرائيلي، أكد العمري أن إسرائيل تسعى لاستغلال حالة عدم الاستقرار في سوريا لفرض واقع جديد، مشيرًا إلى أنها تستخدم ورقة الأقليات والتدخل العسكري كأداة لتنفيذ مشروع التقسيم، خاصة بعد تدمير القدرات الدفاعية للجيش السوري.
كما أوضح أن المجتمع الدولي منقسم حول كيفية التعامل مع سوريا، حيث تفرض الولايات المتحدة شروطًا صارمة لرفع العقوبات، بينما يعتمد الاتحاد الأوروبي سياسة “خطوة مقابل خطوة”، التي يرى العمري أنها غير مجدية في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.
هل يمهد الحوار الوطني لحل سياسي شامل؟
على الرغم من الانقسامات والضغوط الخارجية، يرى المحللون أن الحوار الوطني يمكن أن يكون نقطة انطلاق نحو حل سياسي شامل، بشرط أن يتم توسيع التمثيل السياسي، والعمل على تنفيذ مخرجاته بآليات واضحة.
وحذر العمري من أن استبعاد بعض القوى الفاعلة من الحوار قد يؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر، مشددًا على ضرورة الالتفاف حول مشروع وطني جامع يحافظ على وحدة سوريا وسيادتها، بعيدًا عن الأجندات الخارجية.