ترامب و”حلم غزة”: مغامرة استعمارية أم مناورة سياسية؟

في خطوة غير متوقعة أثارت جدلًا واسعًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسيطرة على قطاع غزة، في لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وبينما تبدو هذه الفكرة غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع، يرى محللون أنها تهدف إلى إلهاء العالم عن القضايا المحورية التي كانت محور الترقب من هذا الاجتماع، مثل وقف إطلاق النار في غزة، ومستقبل المفاوضات، واستمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في لبنان وسوريا.
نتنياهو.. الرابح الأكبر من تصريحات ترامب
بحسب تقرير صحيفة “نيويورك تايمز”، بدا نتنياهو “أسعد البشر” عقب سماعه لتصريحات ترامب، إذ خففت من الضغوط السياسية التي يواجهها في الداخل، ومنحته دعمًا أوسع من اليمين المتطرف الإسرائيلي، الذي كان يهدد بإسقاط حكومته في حال توقفت الحرب على غزة.
وأكد آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام السابق في الشرق الأوسط والباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن “كل الضجيج حول سيطرة الولايات المتحدة على غزة جعلنا نغفل القصة الحقيقية من الاجتماع؛ وبيبي يغادر البيت الأبيض بين أسعد البشر على هذا الكوكب”.
لكن ميلر أشار أيضًا إلى التناقض الجوهري في مقترح ترامب، حيث يتعارض مع سياسته الرافضة لبناء الدول، وقد يؤدي إلى تقويض جهوده في التوسط لإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية. كما أن إضفاء الشرعية على استيلاء الولايات المتحدة على أراضٍ أجنبية قد يمنح روسيا والصين المبرر لفعل الشيء نفسه في أماكن أخرى من العالم.
ترامب يعيد إحياء “الإمبريالية” بطرح مثير للجدل
ترى “نيويورك تايمز” أن فكرة استيلاء الولايات المتحدة على غزة وإخلائها من الفلسطينيين تشبه الطروحات الاستفزازية وغير الرئاسية التي كان يمكن أن يطلقها ترامب في برنامج “هوارد ستيرن” قبل عقد أو عقدين من الزمن، لكنها الآن تأخذ بعدًا أكثر خطورة في ظل ولايته الثانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب، يطرح أفكارًا أكثر جرأة حول إعادة رسم خريطة العالم وفقًا للنمط الاستعماري في القرن التاسع عشر، فمن شراء غرينلاند، إلى ضم كندا، واستعادة قناة بنما، وإعادة تسمية خليج المكسيك، والآن يتصور الاستيلاء على غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
لكن مثل هذه الخطوة، بحسب الصحيفة، ستُدخل الولايات المتحدة مباشرة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما حرص الرؤساء الأمريكيون منذ عهد هاري ترومان على تجنبه.
عقبات قانونية وعسكرية أمام مشروع “الاستيلاء على غزة”
رغم الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي المستمر لإسرائيل، حرصت واشنطن تاريخيًا على تجنب نشر قواتها البرية في الأراضي الفلسطينية أو داخل إسرائيل. حتى عندما أقام الجيش الأمريكي رصيفًا عائمًا العام الماضي لإيصال المساعدات إلى غزة، تأكدت إدارة بايدن من عدم نزول أي جندي أمريكي إلى الشاطئ.
ويؤكد التقرير أن ترامب لم يستطع تحديد أي سلطة قانونية تتيح للولايات المتحدة فرض سيطرتها على غزة من جانب واحد، كما أن الترحيل القسري لمليوني فلسطيني سيعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وسيمثل تحديًا لوجستيًا وماليًا هائلًا، فضلًا عن كونه سيؤجج الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة.
هل هي مناورة أم مشروع استعماري حقيقي؟
في الوقت الذي يدخل في التفاوض للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، جاء طرح ترامب ليضيف تعقيدًا جديدًا للصراع. وبينما يرى البعض أن هذه التصريحات مجرد مناورة سياسية، فإن آخرين يحذرون من أن مثل هذه الطروحات قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وربما تفاقم الأوضاع في المنطقة بدلاً من تهدئتها.
هل يمكن لمثل هذه الأفكار أن تتحول إلى واقع سياسي، أم أنها مجرد أداة لصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟