Podcast Icon
سياسة

أسرار ما وراء الكواليس: صراع بلير وشيراك حول العراق

كشفت وثائق حكومية بريطانية، أفرج عنها الأرشيف الوطني مؤخرًا، عن مشاهد درامية داخل أروقة الحكومة البريطانية عام 2003، حيث ظهر غضب رئيس الوزراء توني بلير وفريقه الوزاري تجاه الموقف الفرنسي بقيادة الرئيس جاك شيراك، الذي عرقل الموافقة الأممية على التدخل العسكري في العراق.

العرقلة الفرنسية تفجر الأزمة

تظهر الوثائق أن إعلان شيراك استخدام حق النقض ضد أي قرار أممي يسمح بالتدخل العسكري في العراق أثار موجة من الغضب داخل الحكومة البريطانية. وفي اجتماع طارئ لمجلس الوزراء بتاريخ 17 مارس 2003، وصف بلير موقف فرنسا بأنه “قوض جهود الأمم المتحدة لفرض إرادة المجتمع الدولي”.

وأكد بلير خلال الاجتماع أن حكومته بذلت كل ما في وسعها لإقناع الجانب الفرنسي، لكنه أشار إلى أن شيراك رفض التراجع، رغم تهديدات لندن وواشنطن بضرورة معاقبة النظام العراقي بقيادة صدام حسين.

تصاعد الخلافات الاستراتيجية

وفقًا للوثائق، اتهم وزير الخارجية جاك سترو شيراك بفتح فجوة عميقة بين فرنسا وبريطانيا، مشيرًا إلى أن الرئيس الفرنسي تبنى رؤية تهدف إلى تقسيم العالم إلى معسكرين. وأكد سترو أن موقف فرنسا أحبط المحاولات الدولية لفرض الامتثال على العراق.

وخلال اجتماع لاحق، أوضح سترو أن شيراك كان يسعى إلى تعزيز مكانته كزعيم عالمي، متخذًا موقفًا مضادًا لهيمنة الولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما خلق توترًا كبيرًا بين باريس ولندن.

بريطانيا تمضي قدمًا رغم المعارضة

على الرغم من المعارضة الداخلية الحادة والغضب الشعبي، قررت حكومة بلير الانضمام إلى الغزو الأمريكي للعراق في 20 مارس 2003. واستند بلير في قراره إلى مزاعم امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، والتي تبين لاحقًا أنها غير دقيقة، ما أثار موجة من الانتقادات المحلية والدولية.

وعلى الرغم من مشاركة أكثر من مليون شخص في مسيرات احتجاجية بلندن، أصرت حكومة بلير على موقفها. الوثائق تكشف أن بلير برر قراره برؤية تتعلق بـ”تعزيز العدالة والحكم الرشيد”، مما ميز حكومته عن الحكومات الأخرى في العالم المتقدم، على حد تعبيره.

الأثر طويل الأمد

أثرت الحرب على شعبية بلير بشكل كبير. وفي عام 2016، خلص تحقيق تشيلكوت إلى أن بلير ضخم تهديد النظام العراقي عمدًا، وأن التحضيرات للحرب كانت غير كافية. وعبر بلير لاحقًا عن ندمه على الأخطاء التي شابت التخطيط للعملية العسكرية، مؤكدًا أن القرار ظل يطارده بقية حياته.

دروس الماضي

إن الإفراج عن هذه الوثائق يوفر نافذة مهمة لفهم تعقيدات السياسة الدولية والقرارات المصيرية التي تؤثر على ملايين البشر. وبينما لا يزال الجدل حول شرعية الغزو مستمرًا، يبقى درس العراق تحذيرًا دائمًا من مخاطر التدخلات العسكرية دون توافق دولي واضح وأسس قانونية متينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى