
تعيش غزة مرحلة غير مسبوقة من الاحتقان السياسي والاجتماعي، حيث تتواصل الاحتجاجات الشعبية ضد حكم حركة حماس، التي تواجه أزمة متفاقمة بفعل الضغوط الداخلية والخارجية.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات تعكس مشاعر الاستياء العميقة لدى سكان القطاع، الذين يعانون من أزمات اقتصادية وإنسانية خانقة.
وتنتشر على منصات التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو تظهر تصاعد الاحتجاجات، وسط مطالبات بتغيير القيادة السياسية لحماس، التي تواجه انتقادات واسعة لفشلها في إدارة شؤون القطاع.
ويرى أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس أن “هذه الاحتجاجات ليست مجرد تحركات عابرة، بل تعبير عن تراكم الأزمات وعدم قدرة الحركة على توفير حلول حقيقية للمواطنين”.
فتح تصعّد خطابها ضد حماس
في خضم هذه الأزمة، كثفت حركة فتح من حملتها الإعلامية ضد حماس، متهمة إياها بتحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع المتردي في غزة.
واعتبر القيادي في فتح، جمال نزال، أن “حماس فقدت شرعيتها لدى الشارع الغزي، وعليها أن تتحمل تبعات سياساتها التي أفقرت الشعب وأدخلت القطاع في دوامة صراعات لا طائل منها”.
ويشير محللون إلى أن تصعيد فتح لا يقتصر على الهجوم الإعلامي، بل يعكس تحولًا في استراتيجيتها، حيث تسعى إلى استغلال الموجة الاحتجاجية لزيادة الضغوط على حماس، وخلق مناخ سياسي جديد قد يفتح المجال أمام تغييرات جوهرية في القطاع.
الضغوط الإسرائيلية
على الصعيد الخارجي، تتزامن الأزمة الداخلية لحماس مع تكثيف الضغوط الإسرائيلية على القطاع.
وتراهن إسرائيل على استمرار التوترات الداخلية لإضعاف الحركة، معتبرة أن تصاعد الاحتجاجات قد يحد من نفوذها السياسي.
ويقول البسوس إن “إسرائيل تتابع عن كثب التطورات في غزة، وقد تستغل هذه اللحظة لزيادة الضغط العسكري والسياسي على حماس، مما قد يساهم في إضعافها داخليًا”.
غير أنه يحذر في الوقت ذاته من أن “أي تصعيد إسرائيلي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد تتوحد الفصائل الفلسطينية في مواجهة التهديد الخارجي، مما يمنح حماس فرصة لاستعادة زمام المبادرة”.
بين القمع والتسوية السياسية
في ظل هذا المشهد المعقد، تجد حماس نفسها أمام خيارات صعبة، فإما اللجوء إلى القمع لاحتواء الاحتجاجات، أو البحث عن حلول سياسية قد تتطلب تنازلات غير مسبوقة:
- التعامل الأمني مع الاحتجاجات: من المرجح أن تلجأ حماس إلى أساليب أمنية مشددة لقمع المظاهرات، كما فعلت في محطات سابقة. غير أن هذا الخيار قد يؤدي إلى مزيد من الغضب الشعبي، ما قد يعمّق الأزمة ويزيد من عزلة الحركة داخليًا.
- التسوية السياسية والمصالحة: الخيار الآخر يتمثل في الدخول في مفاوضات سياسية قد تؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية أو ترتيبات إدارية جديدة. إلا أن هذا السيناريو قد يواجه رفضًا داخل أجنحة حماس المتشددة، التي ترى في أي تنازل تراجعًا سياسيًا خطيرًا.
في ظل هذه التحديات المتداخلة، يبدو أن غزة مقبلة على مرحلة حاسمة، حيث تقف حماس بين خيارين: إما التمسك بالسلطة عبر القمع والمواجهة، أو الدخول في تسوية سياسية قد تفقدها السيطرة على القطاع.
وفي الحالتين، يبقى مستقبل غزة رهينًا بموازين القوى الداخلية والتطورات الإقليمية والدولية التي قد تعيد رسم المشهد السياسي برمّته.