Podcast Icon
سياسة

العراق بين النفوذ الإيراني والاستقلال السياسي: هل يخرج من فلك طهران؟

تحولات استراتيجية تهدد “محور المقاومة”
أمضى النظام الإيراني عقوداً في بناء “محور المقاومة”، وهو تحالف من الميليشيات المناهضة للغرب، مكّن طهران من توسيع نفوذها الإقليمي. إلا أن هذا التحالف، الذي استغرق سنوات لتشكيله، يبدو أنه يتفكك بسرعة. فمع تراجع نفوذ إيران في سوريا ولبنان، بات العراق آخر معاقل طهران المهددة بالخروج عن سيطرتها.

تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة
كتب المحلل آراش عزيزي في مجلة “ذي أتلانتيك” أن المحور الإيراني شهد تراجعاً كبيراً خلال العام الماضي، حيث تعرضت حماس وحزب الله لضربات إسرائيلية قوية، فيما فقد النظام السوري بقيادة بشار الأسد سيطرته أمام معارضيه. في لبنان، تمكن البرلمان من انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة ليسا على وفاق مع طهران، مما يشير إلى تراجع النفوذ الإيراني هناك.

حتى وقت قريب، كانت طهران تتفاخر بامتلاكها نفوذاً مباشراً على أربع عواصم عربية: دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد. لكن الواقع الحالي يكشف أن دمشق وبيروت قد خرجتا من قبضتها، فيما تبقى صنعاء تحت سيطرة الحوثيين الموالين لإيران. أما بغداد، فتبدو ساحة معركة جديدة بين النفوذ الإيراني ورغبة العراقيين في الاستقلال السياسي.

بغداد بين النفوذ الإيراني والتوازن الإقليمي
لطالما اعتمدت إيران في العراق على الميليشيات والأحزاب الشيعية لتأمين نفوذها. غير أن السيطرة الإيرانية على المشهد السياسي العراقي لم تكن مطلقة، بل خضعت دائماً لمعادلة متغيرة. فالأحزاب الموالية لطهران لا تستطيع تشكيل حكومة بمفردها، بل تحتاج إلى تحالفات مع الأكراد والسنة، الذين لا يملكون تعاطفاً أيديولوجياً مع إيران.

في انتخابات 2021، تعرضت الأحزاب الموالية لطهران لهزيمة ساحقة، وكان مقتدى الصدر في طريقه لتشكيل حكومة، لولا تدخل الميليشيات الإيرانية عبر اشتباكات عنيفة ومناورات برلمانية أجهضت مشروعه. وفي أكتوبر 2022، تمكّن محمد شياع السوداني من تولي رئاسة الوزراء، فيما اعتُبر حينها انتصاراً لطهران، خصوصاً بعد خروج مصطفى الكاظمي، الذي قاد تقارباً عراقياً مع الدول العربية كالسعودية ومصر والأردن.

توازن دقيق بين طهران والعرب
رغم اعتماده على دعم القوى الشيعية الموالية لإيران، واصل السوداني سياسات التقارب مع الدول العربية، مستكملاً مسار الكاظمي. فحزبه “تيار الفراتين” سبق أن فكّر في التحالف مع مقتدى الصدر، فيما تتشارك الأحزاب السنية والكردية، التي تحالفت سابقاً مع الصدر، السلطة مع الأحزاب الموالية لطهران.

رغم الانقسامات الداخلية، يتفق معظم العراقيين على رفض أن يكون بلدهم ساحة للصراعات الإقليمية بين إيران والولايات المتحدة أو إسرائيل. ومع تراجع نفوذ إيران في المنطقة، يدرك العراقيون أنهم لا يريدون أن يكونوا في صف الخاسرين.

دعوات متزايدة لحل “الحشد الشعبي”
تزايدت المطالبات العلنية بحل قوات “الحشد الشعبي”، التي تضم ميليشيات مدعومة من إيران، تأسست عام 2014 لمحاربة داعش. وبينما كانت هذه القوات أداة رئيسية لإيران في العراق، فإن الحكومة العراقية ترى أن دورها انتهى بعد هزيمة التنظيم الإرهابي.

وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، صرّح بأن “العراق يسعى لإقناع قادة الميليشيات بإلقاء أسلحتهم”. كما طالب مقتدى الصدر بأن تكون قوات الأمن الرسمية هي الوحيدة المخولة بحمل السلاح. الأكثر إثارة للدهشة، أن بعض أعضاء “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، مثل محسن المندلاوي، أبدوا تأييداً لحل الميليشيات، ما يعكس تغييراً في موازين القوى داخل المشهد السياسي العراقي.

إيران بين الضغط والرفض العراقي
تحاول إيران الحفاظ على نفوذها في العراق عبر الضغط السياسي والميداني. في زيارة أخيرة لطهران، تلقى السوداني تحذيرات مباشرة من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي طالبه بالحفاظ على “الحشد الشعبي” وطرد القوات الأمريكية من العراق. كما أعرب خامنئي عن رفضه للتغيرات السياسية في سوريا، واصفاً إياها بأنها “مؤامرة من قوى خارجية”.

هل يخرج العراق من المحور الإيراني؟
لم يتفق المحللون الذين تحدث معهم آراش عزيزي حول مستقبل العراق في “محور المقاومة”. حمدي مالك، الباحث في معهد واشنطن، يرى أن إيران لا تزال تملك نفوذاً واسعاً في العراق، رغم بعض الإشارات الإيجابية من حكومة السوداني. أما المحلل الكردي العراقي فرهانغ فرايدون نامدار، فيرى أن “الحشد الشعبي”، بقوته البالغة 200 ألف مقاتل وميزانيته التي تصل إلى 3 مليارات دولار، لن يختفي بسهولة.

في المقابل، يرى أران روبرت والش، خبير الشؤون العراقية، أن السوداني يحاول “فصل العراق تدريجياً عن إيران دون قطع العلاقات تماماً”، لكنه يحذر من أن طهران وحلفاءها قد يعطلون هذه الجهود، عبر استهداف مشاريع التنمية التي تدعمها دول الخليج.

انتخابات 2025.. فرصة لتغيير المسار؟
من المتوقع أن تشهد العراق انتخابات برلمانية جديدة في أكتوبر المقبل. وإذا صوّت العراقيون ضد الأحزاب الموالية لطهران، كما حدث في 2021، فقد تتاح الفرصة للسوداني أو خليفته لتشكيل حكومة أكثر استقلالية عن إيران. كما يمكن للأحزاب المنضوية في “الإطار التنسيقي” أن تعيد النظر في تحالفاتها، خصوصاً مع التحولات الإقليمية المستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى