تجميد المساعدات الأميركية: زلزال إنساني وأمني يهدد الشرق الأوسط

أثار قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة تقييم المساعدات الخارجية حالة من القلق العميق حول الالتزام الأميركي بالمشروعات الإنسانية والصحية والأمنية ومكافحة الإرهاب. وبينما تتأثر مناطق عديدة حول العالم، فإن دول الشرق الأوسط تواجه تداعيات كارثية بسبب هذا التوجه، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في غزة والضفة الغربية واليمن وسوريا وغيرها.
حجم المساعدات الأميركية وأهميتها الحيوية
وفقاً لبيانات حكومية أميركية لعام 2023، بلغت مخصصات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية 40 مليار دولار، أي نحو 0.6% من إجمالي الإنفاق الحكومي السنوي للولايات المتحدة. وفي عام 2024، تم توزيع 32.5 مليار دولار على العديد من الدول، لا سيما في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث ركزت هذه المشروعات على الصحة والتعليم ومكافحة الأمراض والتنمية الاقتصادية والاستثمار في البنية التحتية.
تُعد هذه المساعدات شريان حياة لملايين الأشخاص، إذ توفر الغذاء، والرعاية الصحية، وتمويل مشروعات تعليمية وزراعية، بالإضافة إلى تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإن تقليص المساعدات يعني تسريح آلاف الموظفين الأميركيين في الوكالة، فضلاً عن فقدان الآلاف من العاملين في المنظمات غير الربحية والقطاع الخاص في دول الشرق الأوسط وظائفهم.
سوريا: قنبلة موقوتة في مخيمات النزوح
تجميد المساعدات الأميركية يأتي في توقيت حرج بالنسبة لسوريا، حيث ما زالت تعاني من تداعيات الحرب. وقد أمرت وزارة الخارجية الأميركية مجموعة “لومونت”، التي تدير أموال المساعدات في مخيمي الهول والروج، بوقف جميع العمليات، ما أدى إلى تعليق توزيع الغذاء والخدمات الطبية.
وأثار هذا القرار حالة من الذعر بين المعتقلين واللاجئين، حيث يتم احتجاز آلاف النساء والأطفال المرتبطين بتنظيم داعش. ويخشى مسؤولو المخيمات من حدوث فراغ أمني قد تستغله خلايا داعش النائمة لإعادة بناء نفوذها.
حذرت جيهان حنان، مديرة مخيم الهول، من أن هذه المخيمات قد تصبح “قنابل موقوتة” إذا لم تتم إعادة تفعيل المساعدات، مشيرةً إلى أن الأوضاع الأمنية قد تخرج عن السيطرة، مما قد يؤدي إلى أعمال شغب وفرار عناصر داعش، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
اليمن: أزمة إنسانية تتفاقم
يُعتبر اليمن من أكثر الدول تضرراً من قرار تجميد المساعدات، حيث يعتمد أكثر من 80% من سكانه على المساعدات الخارجية، خاصة الغذاء والدواء والمأوى. وخلال عام 2024، أنفقت الوكالة الأميركية 704 ملايين دولار لدعم اليمن، إلا أن وقف هذه المساعدات يهدد بتفاقم أزمة المجاعة وانتشار الأوبئة.
لعبت الوكالة الأميركية دوراً حيوياً في إبقاء ميناء الحديدة مفتوحاً، رغم الأضرار التي لحقت به بسبب القصف الإسرائيلي، مما سمح بوصول الإمدادات الإنسانية إلى الملايين. لكن مع تعليق المساعدات، يخشى الخبراء أن يتدهور الوضع بشكل دراماتيكي، ما قد يؤدي إلى موجة نزوح كبرى وانهيار الأوضاع الصحية.
العراق: تداعيات أمنية ومعيشية خطيرة
ساهمت الوكالة الأميركية في استقرار العراق عبر تمويل مشروعات لتحسين البنية التحتية، وتعزيز الأمن، وتحسين إمدادات المياه والطاقة، بالإضافة إلى دعم حقوق الإنسان. وخُصص للعراق خلال عام 2024 نحو 135 مليون دولار، لكن تعليق هذه المساعدات يعني توقف العديد من المشروعات الحيوية، مما يهدد بتفاقم الأوضاع الأمنية والمعيشية.
يشير محللون إلى أن تخفيض الدعم قد يعرّض العراق لموجة جديدة من الاضطرابات، خاصة في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة داعش، حيث ساهمت المساعدات الأميركية في إعادة تأهيلها ومنع التنظيم الإرهابي من استغلال الفراغ الأمني.
الأردن: انهيار المشاريع الصحية والتعليمية
في الأردن، يُشكل الدعم الأميركي ركيزة أساسية لتمويل مشاريع الرعاية الصحية والتعليم. وأدى تجميد المساعدات إلى توقف العمل في مستشفى الأميرة منى الحسين في عمّان، الذي تكلف إنشاؤه 10 ملايين دولار بتمويل أميركي.
كما أن الأردن يُعد رابع أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية في الشرق الأوسط، حيث يحصل على 1.7 مليار دولار سنوياً، تُخصص لمشروعات التعليم والصحة والبنية التحتية. ومع ذلك، فإن وقف التمويل يهدد آلاف الطلاب الذين يعتمدون على المنح الدراسية الأميركية.
مصر: تحديات في التعليم والتنمية
تحتل مصر المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر استفادة من المساعدات الأميركية، حيث تتلقى 1.4 مليار دولار سنوياً. هذه المساعدات تموّل مشروعات في مجالات تنقية المياه، والزراعة، والتعليم، والنقل، والصحة.
وأثار قرار التجميد حالة من القلق بين طلاب الجامعات المصرية الذين يحصلون على منح دراسية أميركية، حيث يواجهون خطر الانقطاع عن الدراسة بسبب عدم قدرتهم على دفع الرسوم. وأصدرت وزارة التعليم المصرية قراراً بتحمّل الرسوم مؤقتاً، لكن استمرار الأزمة قد يعرض آلاف الطلاب لمستقبل مجهول.
إسرائيل وأوكرانيا.. استثناءات من التجميد
في حين تأثرت العديد من الدول بقرار التجميد، فإن إسرائيل وأوكرانيا ظلتا على رأس قائمة المستفيدين من المساعدات الأميركية، حيث تلقت أوكرانيا 16.6 مليار دولار وإسرائيل 3.3 مليار دولار خلال عام 2024.
هذا التوجه أثار انتقادات واسعة من قبل محللين يرون أن الأولويات الأميركية باتت تركز على الصراعات الجيوسياسية، على حساب الأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
المخاوف المستقبلية: تصاعد عدم الاستقرار
يرى الخبراء أن وقف المساعدات الأميركية قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة تتجاوز الجانب الإنساني، ليشمل تصاعد الأزمات الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
ويحذر المحللون من أن التنظيمات الإرهابية قد تستغل هذا الوضع، بينما قد تشهد بعض الدول موجات احتجاجات جديدة بسبب تفاقم الأزمات المعيشية. كما أن تقليص النفوذ الأميركي في المنطقة قد يفتح الباب أمام قوى أخرى، مثل الصين وروسيا، لتعزيز حضورها.