
في تحول لافت للمشهد السوري، أعلنت الرئاسة السورية عن التوصل إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في مؤسسات الدولة السورية.
الإعلان، الذي يأتي في ظل حالة من الاضطراب السياسي والعسكري في البلاد، يثير تساؤلات حول دوافعه وتداعياته المحتملة على المشهد السوري والإقليمي.
الأبعاد السياسية للاتفاق
يعد الاتفاق، المقرر تنفيذه بحلول نهاية العام، بمثابة خطوة نوعية في مسار استعادة دمشق السيطرة على كامل الأراضي السورية.
فمنذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، تمكن الأكراد في شمال وشرق سوريا من إنشاء إدارة ذاتية مستقلة إلى حد كبير، مدعومة عسكريًا وسياسيًا من قبل الولايات المتحدة.
ورغم أن دمشق لم تعترف رسميًا بهذه الإدارة، فإنها تجنبت مواجهات مباشرة مع “قسد”، التي كانت مشغولة بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدعم دولي.
الاتفاق ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، ضمن إدارة الدولة السورية.
هذا البند تحديدًا يحمل دلالات استراتيجية كبرى، إذ يمنح دمشق سيطرة على موارد حيوية كانت خارج نطاق نفوذها لسنوات.
كما أن تأكيد البيان على أن “المجتمع الكردي مكون أساسي من مكونات الدولة السورية” يشير إلى رغبة دمشق في استيعاب الأكراد سياسيًا بدلاً من مواجهتهم عسكريًا.
التوقيت وأسباب التقارب
يأتي هذا الاتفاق في وقت تعيش فيه سوريا مرحلة انتقالية حساسة، بعد سقوط الرئيس السابق في ديسمبر، وتولي الرئيس أحمد الشرع زمام السلطة.
ومع تزايد التوترات الأمنية في غرب البلاد، يبدو أن دمشق تسعى إلى توحيد الجبهة الداخلية من خلال تأمين المناطق الشمالية الشرقية، خاصة أن استمرار الاضطرابات هناك قد يفتح المجال أمام تدخلات خارجية.
من الجانب الكردي، فإن التقارب مع دمشق قد يكون خيارًا اضطراريًا، خاصة بعد انسحاب تدريجي للدعم الأمريكي وتزايد الضغوط التركية.
فأنقرة، التي تعتبر وحدات حماية الشعب (المكون الرئيسي لـ”قسد”) امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، كثفت عملياتها العسكرية في شمال سوريا لمنع أي كيان كردي مستقل. بالتالي، قد يكون الاتفاق مع دمشق وسيلة للأكراد للحفاظ على مكاسبهم السياسية والاقتصادية ضمن الدولة السورية، بدلاً من المخاطرة بمواجهة مفتوحة مع تركيا.
انعكاسات الاتفاق على الإقليم
الاتفاق يحمل تداعيات مباشرة على العلاقة بين سوريا وتركيا. فأنقرة لطالما اعتبرت أي كيان كردي مستقل تهديدًا لأمنها القومي، ومن المرجح أن تسعى إلى التأكد من أن هذا الاندماج لن يمنح الأكراد استقلالية موسعة ضمن النظام السوري.
كما أن الاتفاق قد يؤثر على علاقة دمشق بموسكو وواشنطن. فبينما رحبت روسيا سابقًا بأي خطوة تعزز سيادة دمشق على أراضيها، قد تنظر الولايات المتحدة إلى هذه الخطوة باعتبارها تراجعًا لمصالحها في المنطقة، خاصة أنها استثمرت بشكل كبير في دعم قوات سوريا الديمقراطية خلال الحرب ضد داعش.
التحديات المحتملة
رغم الأبعاد الإيجابية للاتفاق، يواجه تنفيذه عقبات عدة. فمن جهة، لا يزال هناك انعدام ثقة بين دمشق والأكراد، خاصة بعد عقود من التهميش.
كما أن بعض الفصائل الكردية قد لا تقبل بسهولة التنازل عن المكاسب التي حققتها خلال السنوات الماضية.
بالإضافة إلى ذلك، يبقى موقف القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة وتركيا، عاملاً حاسمًا في تحديد مدى نجاح هذا الاتفاق.
فإذا شعرت أنقرة أن الاتفاق سيؤدي إلى تمكين الأكراد بشكل لا يتوافق مع مصالحها، فقد تسعى إلى عرقلته عسكريًا أو دبلوماسيًا. أما واشنطن، فغياب رد فعل واضح منها قد يشير إلى أنها باتت أقل التزامًا بمستقبل الأكراد في سوريا.
في النهاية؛ يعد الاتفاق بين دمشق و”قسد” خطوة هامة في سياق إعادة توحيد سوريا، لكنه لا يخلو من التحديات.
فبينما يمثل فرصة لتعزيز الاستقرار الداخلي، فإن نجاحه سيعتمد على كيفية معالجة المخاوف الكردية من جهة، وطمأنة القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الاتفاق بداية لمرحلة جديدة من المصالحة الوطنية، أم مجرد تكتيك سياسي مؤقت في لعبة التوازنات الإقليمية.