
في ظل تزايد الضغوط الإقليمية والدولية على مصر فيما يخص أزمة قطاع غزة، جاء البيان المصري الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات ليؤكد موقف القاهرة الحاسم والرافض لأي محاولات لنقل السكان الفلسطينيين من قطاع غزة قسرًا أو طوعًا، وخصوصًا إلى الأراضي المصرية.
هذا التأكيد لم يكن مجرد نفي دبلوماسي، بل يعكس رؤية استراتيجية مصرية تعتبر أن أي تغيير ديموغرافي قسري للفلسطينيين يهدد الأمن القومي المصري ويمثل تصفية للقضية الفلسطينية.
ضغوط دولية ومقترحات مرفوضة
جاء البيان المصري في أعقاب تقارير إعلامية متداولة، خاصة في إسرائيل، تفيد بوجود مقترحات أميركية لنقل سكان غزة إلى خارج القطاع، وربط قبول مصر لهذه الخطة بحزم مساعدات اقتصادية.
وأشارت هذه التقارير إلى وجود رسائل أميركية نُقلت إلى مصر عبر الإمارات، تتضمن عرضًا جديدًا بشأن دعم اقتصادي مقابل تغيير الموقف المصري من قضية التهجير.
هذه التطورات تتزامن مع لقاءات دبلوماسية مكثفة، تعكس محاولات لإيجاد صيغة إقليمية لحل أزمة غزة، لكنها أيضًا تثير تساؤلات حول طبيعة العروض المقدمة لمصر، ومدى تقاطعها مع المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
الأبعاد الاستراتيجية للموقف المصري
1- الأمن القومي المصري:
مصر ترى أن أي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء سيخلق واقعًا أمنيًا خطيرًا، حيث يمكن أن يؤدي إلى اختلال ديموغرافي وصعوبة في ضبط الحدود، خاصة في ظل التحديات الأمنية في شمال سيناء، حيث تنشط جماعات متطرفة منذ سنوات.
2- تصفية القضية الفلسطينية:
ترى القاهرة أن نقل الفلسطينيين خارج قطاع غزة يعني إنهاء القضية الفلسطينية عمليًا، وتحويلها من قضية أرض محتلة إلى مجرد أزمة لاجئين، مما يتناقض مع الموقف المصري الداعم لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
3- تجنب سيناريو “الوطن البديل“:
مصر والأردن، باعتبارهما الدولتين المجاورتين للأراضي الفلسطينية، ترفضان بشكل قاطع أي مقترحات لنقل سكان غزة أو الضفة إليهما، لما يحمله ذلك من مخاطر سياسية وديموغرافية.
وقد كان الموقف الأردني أيضًا واضحًا في رفض هذه الطروحات، التي تتعارض مع حقوق الفلسطينيين في أرضهم.
هل هناك ضغوط فعلية؟
فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، تنفي القاهرة بشدة أي صلة بين موقفها السياسي والمساعدات الاقتصادية.
لكن من الواضح أن هناك ضغوطًا متزايدة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها مصر، والتي تجعلها بحاجة إلى دعم مالي واستثمارات خارجية.
ورغم هذه الحاجة، إلا أن مصر ترفض مقايضة موقفها السياسي بسياسات اقتصادية مفروضة، وهو ما ظهر في رفضها القاطع للحديث عن مشاريع توطين الفلسطينيين في سيناء ضمن خطط إعادة الإعمار.
ماذا بعد؟
1 – استمرار الضغوط الدولية:
من المرجح أن تستمر محاولات الضغط على مصر لإعادة النظر في موقفها، سواء عبر عروض اقتصادية أو من خلال دبلوماسية الوساطة عبر دول الخليج.
2 – تحركات إقليمية لاحتواء الأزمة:
تعقد القاهرة لقاءات موسعة مع الاتحاد الأوروبي ودول عربية بشأن إعادة إعمار غزة، وهو ما يشير إلى رغبة مصر في التركيز على الحلول التنموية بدلاً من الحلول الديموغرافية.
3 – تصعيد مصري دبلوماسي وسياسي:
قد تشهد الفترة القادمة تحركات مصرية أكبر على المستوى الدولي، سواء عبر الأمم المتحدة أو من خلال القمم العربية، للتأكيد على رفض أي سيناريوهات تتعلق بتهجير الفلسطينيين.
ختامًا؛ فإن الموقف المصري يعكس وضوحًا استراتيجيًا في التعاطي مع أزمة غزة، قائمًا على رفض الضغوط والتمسك بثوابت الأمن القومي. ويبدو أن القاهرة لن تكتفي برفض التهجير، بل ستواصل العمل على دفع المجتمع الدولي نحو إعادة إعمار غزة وتعزيز الحل السياسي الذي يعيد الحقوق الفلسطينية دون المساس بالتركيبة السكانية للقطاع.