
لطالما ارتبطت سويسرا بموقفها الحيادي في الشؤون الدولية، إلى جانب شهرتها في مجال الخدمات المصرفية والمناظر الطبيعية الجبلية.
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، نشرة تقرير حول نموذج الحياد السويسري للباحث إسلام المنسي، الذي لفت إلى أن من أبرز الأمثلة على السياسة المحايدة عالميًا. ومع ذلك، يبدو أن هذا التقليد السويسري العريق يواجه تحديات جديدة في ظل التغيرات والتوجهات التي شهدتها البلاد مؤخرًا، خاصة في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط.
واستمر السويسريون في الحفاظ على حيادهم السياسي لعقود، إلا أن هذا التقليد بدأ يشهد تغيرات لافتة في ظل الاستقطاب الدولي المتزايد. تجسد ذلك في قرارات حديثة، أبرزها قرار البرلمان السويسري في 17 ديسمبر 2024 بحظر حزب الله اللبناني، وكذلك حركة حماس قبله بأسبوع، ما أثار تساؤلات حول سر هذا التحول المفاجئ.
حتى وقت قريب، كانت سويسرا تقتصر على حظر تنظيمي القاعدة وداعش فقط، حيث كانت تلتزم بالعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على المنظمات الإرهابية. لكن، مع القرارين الأخيرين، أصبح حظر أنشطة حزب الله وحماس على الأراضي السويسرية ساريًا، وهو ما يتضمن اتخاذ إجراءات قانونية ضد الأفراد المرتبطين بهما، بما في ذلك تجميد الأرصدة المالية. هذا التوجه، الذي جاء في وقت شهد صعود التيار المؤيد لإسرائيل في البرلمان السويسري، يعكس تحولًا في مواقف البلاد.
المنطقة الرمادية وسياسة الحياد:
في عام 2020، أطلقت سويسرا تحقيقًا لتقييم تأثير حزب الله على أراضيها بعد ضغوط إسرائيلية. وفي نوفمبر 2022، خلص التقرير السويسري إلى عدم وجود أنشطة متورطة لحزب الله في القطاع المالي السويسري أو في دعم جناحه العسكري.
ومع ذلك، وفي خطوة متناقضة، قرر البرلمان السويسري أخيرًا حظر أنشطة حزب الله وحماس، في خطوة قوبلت بدعم من بعض النواب، لا سيما من حزب الشعب السويسري اليميني.
هذه التحولات الأخيرة تثير تساؤلات حول قدرة سويسرا على الاستمرار في أداء دورها كوسيط محايد في قضايا الشرق الأوسط. فقد كانت الدبلوماسية السويسرية على مدار سنوات تُمثل قناة اتصال بين دول متصارعة، مثلما حدث بين الولايات المتحدة وإيران منذ عام 1980.
لكن مع هذه التغيرات، بدأ يتساءل البعض عن مصداقية سويسرا كدولة محايدة، وهو ما أكده تقرير للمجلس الاتحادي السويسري في أكتوبر 2022، الذي أشار إلى أن حظر حزب الله قد يضعف مصداقية سويسرا كدولة محايدة.
وفي ظل هذه المستجدات، حذر بعض النواب، مثل نيكولاس والدر من حزب الخضر، من أن حظر حزب الله قد يؤثر سلبًا على قدرة سويسرا على استضافة مفاوضات بين حماس وإسرائيل، وأن الثقة في برن قد تتآكل تدريجياً في العالم العربي.
تحولات استراتيجية:
في سياق متصل، أصبحت وزارة الخارجية السويسرية أقل اهتمامًا بالقيام بدورها التقليدي في الملف الفلسطيني.
فقد قررت في 2022 الانسحاب من “مبادرة جنيف” التي كانت تدعم حل الدولتين، فيما تزداد التساؤلات حول جدوى الدور السويسري في القضية الفلسطينية في ظل التغيرات السياسية الحاصلة.
في النهاية؛ من المتوقع أن تشهد سويسرا في الفترة القادمة جدلاً داخليًا حول تفسير الحياد، وسط انقسام بين تيارات مختلفة، أحدها يسعى لتوسيع مفهوم الحياد ليتماشى مع الانخراط في حلف “الناتو” أو دعم مواقف إسرائيل في الشرق الأوسط، بينما يرى تيار آخر ضرورة تمسك سويسرا بتقليد الحياد بصرامة.
بينما تواجه سويسرا هذه التحديات، فإن مكانتها كوسيط دولي أصبحت موضع شك، خاصة في قضايا الشرق الأوسط. ومع ذلك، تبقى مسألة تغيير مفهوم الحياد في سويسرا قيد النقاش، ولا يبدو أن هناك تحولا جذريًا حاليًا عن هذا التقليد.