
استفاق العديد من الأمريكيين وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط هذا الصباح في حالة من الارتباك والصدمة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة “ستستولي” على قطاع غزة، مع اقتراح بنقل سكانه البالغ عددهم نحو مليوني نسمة إلى أماكن أخرى.
لكن، لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا.
منذ توليه منصبه، لم تكن خطط ترامب لتغيير العديد من المعايير المحلية والعالمية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية خفية.
وإعلان السياسة الذي صدر ليلة الثلاثاء ليس جزءًا من خطة استراتيجية لحمل حماس على قبول اتفاق بشروط أفضل لإسرائيل والولايات المتحدة، ولا هو محاولة لإقناع مصر أو الأردن بتعديل مواقفهما تجاه التفضيلات الأمريكية في المنطقة، كما اعتقد بعض المعلقين.
خطته التي أعلن عنها تتعلق بإعادة تشكيل النظام العالمي ومصالح الولايات المتحدة بطريقة أساسية.
هل يعتقد الرئيس حقًا أن خطته قابلة للتنفيذ؟ ربما، وربما لا.
وإذا فشلت الخطة، فقد تصبح بداية لمفاوضات بشأن غزة مع الدول العربية، وهو ما قد يؤدي إلى نتيجة مشابهة بغض النظر عن نوايا ترامب.
لكن حتى إذا كانت خطته غير متوقعة، وهو أمر شبه مؤكد، فإن السبب ليس أنه لم يكن ينوي ذلك منذ البداية.
بل يعود ذلك إلى أنه ربما لا يفهم تمامًا أو لا يهتم بتاريخ المنطقة، أو تعقيدات العلاقات الفلسطينية الداخلية، أو العواقب المحتملة على حلفاء الولايات المتحدة، أو الأهم من ذلك، العلاقة العاطفية التي تربط معظم الناس بوطنهم.
دون هذه العوامل المؤثرة، يظهر الاقتراح من ترامب منطقيًا من الناحية الاستراتيجية، حيث يتماشى مع هدفه الأساسي في إنهاء التدخل الأمريكي الواسع النطاق في الشرق الأوسط.
من وجهة نظره، قد تكون الطريقة الوحيدة لتقليص الالتزامات المالية الأمريكية طويلة الأمد في المنطقة، والتي ترتبط بالدرجة الأولى بالدعم الأمني، هي تدمير غزة وإعادة بناء الوضع من الصفر.
وإذا لم تتخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة في ذلك، ستستمر التكاليف الطويلة الأمد المرتبطة بحماية إسرائيل، مثل تكلفة صواريخ “القبة الحديدية” التي تفوق خمسين ألف دولار للصاروخ الواحد، والتي تمولها الولايات المتحدة بشكل أساسي، كما تقدم الولايات المتحدة مساعدات أمنية بمبلغ يتجاوز 1.4 مليار دولار سنويًا إلى الأردن ومصر.
بالنسبة لترامب، قد تبدو فكرة “استيلاء الولايات المتحدة” على غزة كأفضل وسيلة لتحقيق سلام مستدام في المنطقة، مما يسمح بتقليص التكاليف الأمنية بشكل كبير.
بينما اقترح في البداية أن يتم هذا الجهد الأمريكي ميدانيًا، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض لاحقًا إن تصريح ترامب “لا يعني أن دافعي الضرائب الأمريكيين سيمولون هذا الجهد”.
قد يتوقع ترامب أن تتولى “الدول المجاورة ذات الثروة الكبيرة”، مثل قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات، تمويل العملية.
في جميع الأحوال، إذا استثمرت الولايات المتحدة وقتًا لإعادة بناء غزة، فقد يعتقد الرئيس أن الفوائد الاقتصادية ستكون ضخمة، وتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
قد يكون لدى ترامب نية إنسانية صادقة وراء اقتراحه، كما ذكر مستشار الأمن القومي مايكل والتز، الذي اقترح نقل سكان غزة إلى دول ثالثة كمحاولة لمساعدتهم.
ومع ذلك، تبقى النتيجة تمييزًا قسريًا، وهو انتهاك واضح للقانون الدولي – وهو ما يبدو أن ترامب لا يعيره اهتمامًا.
صفقة مقلقة للقادة الإقليميين:
عندما أعلن ترامب عن خطته، من المرجح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يكن على علم بها مسبقًا.
ومع ذلك، وباعتباره سياسيًا محنكًا، فقد أعطى مصداقية للعرض دون تأييده بشكل قاطع، قائلاً إن “ترامب لديه فكرة مختلفة، وأعتقد أن الأمر يستحق الانتباه”.
لكن الواقع هو أن تنفيذ هذه الخطة سيكون كارثة لإسرائيل ولنتنياهو، لما لها من تأثير مزعزع للاستقرار في المنطقة.
لن يكون الوضع أفضل بالنسبة لشركاء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
فالمعارضة من القادة الأردنيين والمصريين لنقل سكان غزة إلى أراضيهم ليست فقط مسألة قانونية، بل تتعلق بالاستقرار الداخلي.
بالنسبة لكل من عمان والقاهرة، قد يُنظر إلى مثل هذه الخطوة على أنها دعم لمن لا يزالون يعارضون حل الدولتين في إسرائيل، مما يشكل تهديدًا وجوديًا، خاصة في الأردن، حيث يشكل الفلسطينيون أكثر من نصف السكان.
كما أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني سيشعران بقلق بالغ من أن بعض هؤلاء النازحين قد يكونون أعضاء في حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات أخرى، مما يضع عبئًا على مصر والأردن لمراقبتهم والتحكم فيهم، وهو ما يهدد استقرار البلدين.
ويعلم نتنياهو جيدًا أن زعزعة استقرار الأردن ومصر ستزيد من الاضطرابات في الشام، وبالتالي تهديد إسرائيل.
لكن الأسوأ بالنسبة لإسرائيل هو أن هذه الخطة ستؤدي إلى انتكاسة للعلاقات مع دول الخليج، خاصة مع السعودية والإمارات.
ففي حين أن الرياض قد أبرزت أنها لن تطبع العلاقات مع إسرائيل دون حل الدولتين، فإن طرد الفلسطينيين من غزة بناء على طلب أمريكي قد يكون جسرًا بعيدًا جدًا لتحقيق ذلك.
ويبدو أن هذا ينطبق أيضًا على أبوظبي، التي وقع ترامب معها “اتفاقيات إبراهيم”، لكن ردود فعل شعوب الخليج بعد الهجمات في غزة قد تساهم في تصعيد المعارضة.
من غير المرجح أن تنجح خطة ترامب لغزة، لكن من الخطأ الاعتقاد بأنه لم يكن جادًا في اقتراحه.
إن التقليل من جديته سيقلل من تقدير حجم التغيير الذي يسعى لتحقيقه في دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفي العالم بشكل عام.