غزة تحت الحصار.. حرب تجويع تُفاقم الأزمة الإنسانية

في ظل التوترات المستمرة بين إسرائيل وحماس وتعليق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، شنت إسرائيل حربًا اقتصادية شاملة على قطاع غزة، مستخدمة سلاح الحصار والقيود على المساعدات الإنسانية، في محاولة للضغط على الحركة لتحقيق أهدافها السياسية.
خنق غزة اقتصاديًا.. سلاح الحصار
وفقًا لتقرير وكالة أسوشيتد برس، أدى قطع إسرائيل للإمدادات الأساسية – من غذاء ووقود وأدوية – عن سكان غزة، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة، إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، مما دفع المنظمات الإنسانية إلى توزيع مخزوناتها المتضائلة على الفئات الأكثر ضعفًا.
وأشارت الوكالة إلى أن تعليق المساعدات يهدد التقدم الذي أحرزه عمال الإغاثة في منع المجاعة، خلال الأسابيع الستة الماضية من المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار، مما يعيد الأزمة الإنسانية إلى مربعها الأول.
بعد 16 شهرًا من الحرب، أصبح سكان غزة يعتمدون بالكامل على المساعدات القادمة عبر الشاحنات، حيث نزح معظمهم من منازلهم ويعيشون في ظروف إنسانية قاسية، مع نقص حاد في المأوى، والمياه، والخدمات الطبية.
الإمدادات في خطر.. والمخزون لا يكفي
حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من نفاد مخزوناته الغذائية في غزة، حيث تم توزيع جميع الإمدادات خلال المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة، ولم يعد هناك احتياطي كبير لمواجهة الأزمة الحالية.
وفي بيان أكد البرنامج أن “المخزونات الحالية تكفي لتشغيل المخابز والمطابخ لمدة تقل عن أسبوعين فقط. إذا لم يتم تجديد الوقود قريبًا، فقد نضطر إلى تقليص الحصص الغذائية، في محاولة لإطالة فترة التوزيع لأكبر عدد ممكن من المحتاجين.”
الأوضاع تزداد سوءًا.. شهادات منظمات الإغاثة
صرحت شاينا لو، مستشارة الاتصالات في المجلس النرويجي للاجئين، بأن غزة تعاني من نقص حاد في الخيام ومواد الإيواء، وأوضحت: “المساعدات التي دخلت خلال وقف إطلاق النار لم تكن كافية على الإطلاق. لو كانت كذلك، لما كنا نشهد وفاة أطفال بسبب البرد، ونقص الأدوية والمعدات الطبية لعلاجهم”.
أما اليونيسف، فقد أكد رئيس قسم الاتصالات فيها جوناثان كريكس أن المنظمة تحاول إعادة تقييم مخزونها المتبقي، لكنه حذر من كارثة وشيكة إذا استمر منع المساعدات.
كما أشارت بشرى الخالدي، مسؤولة السياسات في منظمة أوكسفام، إلى أن لدى المنظمة 26 شاحنة محملة بالمواد الغذائية ومستلزمات النظافة، بالإضافة إلى 12 شاحنة من خزانات المياه، لكنها ما زالت عالقة خارج غزة.
وقالت: “الأمر لا يتعلق فقط بعدد الشاحنات، بل نحن نشهد انهيارًا كاملًا للأنظمة التي تدعم الحياة في غزة”.
وفي السياق نفسه، كشف كارل بيكر، منسق الأزمات في المنظمة الدولية للهجرة، أن هناك أكثر من 22,500 خيمة محجوزة في مخازن الأردن، بعدما تم إرجاع الشاحنات التي كانت تحملها بسبب القيود الإسرائيلية.
انفجار الأسعار.. معاناة يومية للسكان
بحسب التقرير، تسبب الحصار الإسرائيلي في ارتفاع جنوني للأسعار، ما زاد من معاناة السكان الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية بشكل شبه كلي.
أمثلة على ارتفاع الأسعار بعد تعليق المساعدات:
السكر ارتفع من 5 شيكل إلى 10 شيكل خلال ساعات فقط.
السيجارة الواحدة قفز سعرها من 5 شيكل إلى 20 شيكل.
كيلو الدجاج ارتفع من 21 شيكل إلى 50 شيكل.
غاز الطهي قفز من 90 شيكل إلى 1480 شيكل!
في أحد الأسواق المزدحمة بمدينة غزة، صرخ المواطن محمد الديري متذمرًا: “التجار يذبحوننا، في الصباح كان سعر السكر 5 شيكل، الآن أصبح 10 شيكل. الأسعار ترتفع بجنون!”
مخاوف من تصعيد جديد
في ظل هذه الظروف القاسية، يشعر الفلسطينيون بالقلق من أن تعليق المساعدات ما هو إلا تمهيد لجولة جديدة من الحرب.
قالت عبير عبيد، وهي مواطنة فلسطينية من شمال غزة: “نخشى أن يشن نتنياهو أو ترامب حربًا أشد من الحرب السابقة. يجب أن يجدوا أي حل آخر لتمديد التهدئة”.
كارثة إنسانية وشيكة؟
يبدو أن إسرائيل لا تكتفي بالحصار العسكري، بل تستخدم الحصار الاقتصادي كسلاح إضافي للضغط على الفلسطينيين، في وقت يواجه فيه سكان غزة أسوأ أزمة إنسانية منذ عقود.
ومع استمرار تعليق المساعدات، وانعدام الحلول الدبلوماسية، تزداد المخاوف من أن الوضع في غزة قد ينفجر قريبًا، مما يجعل أي حديث عن التهدئة مجرد أمل بعيد المنال.