إسرائيل تصعّد في جنوب لبنان: احتفاظ بالنقاط الاستراتيجية وتأجيل الانسحاب يفاقم التوترات

تسعى إسرائيل إلى الاحتفاظ بخمس نقاط استراتيجية في مناطق مرتفعة بجنوب لبنان بعد انتهاء المهلة المحددة لانسحاب قواتها، مما يضع الإدارة الأمريكية أمام اختبار دبلوماسي صعب، وسط جهودها لإنجاح هدنات هشة في المنطقة.
رهانات إسرائيلية ومخاوف لبنانية
بحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين، فإن تل أبيب ترى أن الاحتفاظ بهذه المواقع ضروري لحماية مستوطناتها بعد عام من المواجهات العسكرية مع حزب الله. غير أن الحكومة اللبنانية رفضت هذه الخطوة، معتبرةً أنها تقوّض الاتفاق الذي أنهى أشهرًا من القتال العنيف بين الطرفين، والذي تخلله قصف إسرائيلي مكثف وغزو للجنوب اللبناني.
ولا تعد هذه المحاولة الإسرائيلية الأولى من نوعها، إذ سبق لها أن سعت للسيطرة على مواقع استراتيجية، بما في ذلك قمة جبل الشيخ في سوريا بعد انهيار نظام الأسد، بالإضافة إلى توسيع نطاقها الأمني داخل قطاع غزة عقب حربها مع حركة حماس.
تأجيل الانسحاب وسط توترات متصاعدة
كان من المقرر أن تسحب إسرائيل قواتها من جنوب لبنان في 18 فبراير، لكنها تسعى الآن إلى تمديد وجودها حتى 28 فبراير، بحجة ضرورة تفكيك مواقع حزب الله في الجنوب. وقد أثار هذا التأخير مخاوف متزايدة في لبنان، الذي ما زال يعاني من تداعيات الحرب الأخيرة، حيث تسببت العمليات العسكرية في نزوح مليون شخص وتدمير أجزاء واسعة من بيروت.
وأكدت مورغان أورتاغوس، نائبة مساعد المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، أن واشنطن لا تزال ملتزمة بالموعد الأصلي للانسحاب، رغم المحاولات الإسرائيلية لتمديده.
مواقع استراتيجية وأهداف عسكرية
تمتد المواقع الخمسة التي تسعى إسرائيل للاحتفاظ بها على طول الحدود المشتركة، قرب بلدات مثل الخيام والعديسة والناقورة ورامية، وهي نقاط تطل على بلدات إسرائيلية حدودية، ما يمنح الجيش الإسرائيلي قدرة أكبر على التحرك والرد السريع على أي تهديد محتمل.
ووفقًا لمصادر لبنانية مطلعة، فقد طرحت إسرائيل هذا المطلب خلال مفاوضاتها الأخيرة مع المسؤولين الأمريكيين، وسط خلافات كبيرة حول تفسير اتفاق وقف إطلاق النار.
محللون: إسرائيل تسعى لاستخدام المواقع كأوراق تفاوضية
يرى ديفيد وود، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، أن إسرائيل تعتبر هذه النقاط حيوية لأمنها، لكنها قد تستخدمها أيضًا كورقة ضغط في المفاوضات. ويضيف:
“يبدو أن إسرائيل لن تنهي الاحتلال بشكل كامل حتى تضمن ما تعتبره امتثالًا تامًا من الجانب اللبناني لشروط الاتفاق.”
تنسيق أمني وتسليم تدريجي للمواقع
في سياق الترتيبات الأمنية، صرّح الميجور جنرال الأمريكي جاسبر جيفرز، الذي ينسق جهود وقف إطلاق النار، بأنه التقى بمسؤولين إسرائيليين ولبنانيين وفرنسيين لوضع خطة فنية لتسليم ما تبقى من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي إلى القوات اللبنانية. وأكد جيفرز أن الجيش اللبناني يحرز تقدمًا في استعادة المراكز الحضرية جنوب الليطاني، متوقعًا أن تتم العملية بالكامل قبل الثلاثاء المقبل.
التحديات أمام الجيش اللبناني
رغم نجاح الخطة إلى حد كبير، إلا أن تنفيذها كان بطيئًا بسبب كثافة الأسلحة التي خزّنها حزب الله في المنطقة، بالإضافة إلى ضعف إمكانيات الجيش اللبناني. ويعاني الجيش من نقص مزمن في العتاد والتمويل، ما يحدّ من قدرته على فرض السيطرة الكاملة على المناطق المحررة.
انعكاسات وتأثيرات مستقبلية
من شأن استمرار إسرائيل في الاحتفاظ بهذه النقاط أن يزيد التوترات في لبنان، ويضعف فرص تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة. كما أن أي تأخير إضافي في الانسحاب قد يؤدي إلى تصعيد جديد، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة بين إسرائيل وإيران عبر وكلائها في المنطقة.
في ظل هذا الوضع، تبقى الأنظار موجهة إلى واشنطن، التي تواجه تحديًا دبلوماسيًا في إقناع إسرائيل بالالتزام بجدول الانسحاب، ومنع اندلاع مواجهة جديدة قد تجر المنطقة إلى دوامة عنف جديدة.