
أعلن زعيم حزب “العمال الكردستاني” المسجون في تركيا، عبد الله أوجلان، قراراً تاريخياً يدعو إلى إسكات البنادق ونزع السلاح، في خطوة قد تُحدث تحولات جوهرية في المشهد السياسي والأمني للمنطقة.
جاء هذا الإعلان في رسالة قرأها وفد من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» عقب زيارة قام بها لأوجلان في محبسه، وهي الزيارة الثالثة له خلال فترة وجيزة، مما يعكس مدى أهمية هذه التطورات.
تفاصيل الدعوة وردود الفعل:
في رسالته التي تلاها أعضاء الوفد باللغتين الكردية والتركية، قال أوجلان: “يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه”، مضيفاً: “أدعو إلى نزع السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
ورحب حزب “العدالة والتنمية”» الحاكم في تركيا بهذه الخطوة، حيث صرّح نائب رئيس الحزب، إفكان آلا، قائلاً: “إن جوهر الدعوة هو نزع السلاح، وإذا قررت المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) حل نفسها، فسننظر في النتيجة”.
كما لقي الإعلان ترحيباً واسعاً من الأكراد في تركيا، حيث خرجت جموع المحتفلين إلى الشوارع في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية تعبيراً عن دعمهم للسلام والديمقراطية.
كذلك، حظيت الخطوة بترحيب من رئاسة إقليم كردستان العراق وسلطة الحكم الذاتي في شمال شرقي سوريا، حيث اعتُبرت تطوراً مهماً قد يسهم في إعادة رسم خريطة التوازنات السياسية والأمنية في المنطقة.
تحليل محتملة:
هذه الخطوة التاريخية، وضعت حدا لأطوال صراع مسلح في إقليم الشرق الأوسط، وهو ما ينطوي على تداعيات محتملة، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
1 – التأثير على الوضع الأمني في تركيا:
يعد حزب العمال الكردستاني أحد أبرز الفاعلين في المشهد الأمني التركي، حيث خاض لعقود مواجهات مسلحة مع الدولة التركية.
وإذا تم تنفيذ هذه الدعوة فعلياً، فقد يسهم ذلك في تقليل التوترات في جنوب شرقي تركيا، ويمهد الطريق أمام حل سياسي للقضية الكردية.
2- تأثر محتمل على الانتخابات والسياسة الداخلية التركية:
يأتي هذا الإعلان في توقيت حساس بالنسبة لتركيا، التي تستعد لجولات انتخابية قريبة.
إذ يتوقع أن يستخدم الحزب الحاكم هذه الخطوة لتعزيز موقفه السياسي، حيث يمكن أن يمنحه إنهاء الصراع دفعة انتخابية قوية، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية.
3 – انعكاسات إقليمية:
يعد الملف الكردي قضية إقليمية بامتياز، تمتد تأثيراته إلى سوريا والعراق وإيران.
فإذا نجح هذا القرار في إنهاء نشاط الحزب العسكري، فقد يفتح الباب أمام تسويات أوسع بين أكراد المنطقة والحكومات المركزية، لا سيما في العراق وسوريا، حيث تحاول القوى الكردية إيجاد موطئ قدم سياسي لها وسط التعقيدات الإقليمية.
الموقف الدولي:
لطالما كان حزب العمال الكردستاني محل جدل دولي، إذ تصنفه العديد من الدول منظمة إرهابية، بينما يعتبره البعض قوة سياسية تمثل الأكراد.
وإذا تم حل الحزب فعلياً، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة رسم العلاقات بين تركيا والغرب، لا سيما الدول التي تقدم دعماً لقوى كردية أخرى في سوريا والعراق.
تحديات التنفيذ:
على الرغم من أهمية الدعوة، فإن هناك عقبات كبيرة أمام تنفيذها.
إذ توجد فصائل داخل حزب العمال الكردستاني قد تعارض القرار، خاصة القيادات العسكرية الميدانية التي قد ترى في نزع السلاح تفريطاً في المكتسبات السياسية والعسكرية التي تحققت خلال العقود الماضية.
كما أن مدى استعداد الحكومة التركية لتقديم ضمانات للأكراد بشأن الحقوق السياسية والثقافية سيحدد نجاح هذه المبادرة من عدمه.
في النهاية؛ يمثل إعلان عبد الله أوجلان نقطة تحول مهمة في مسار القضية الكردية، لكنه يفتح في الوقت نفسه الباب أمام تساؤلات كبرى حول مدى واقعية تطبيقه ومدى استعداد الأطراف المختلفة للقبول به.
وبينما يحتفي البعض بهذه الخطوة باعتبارها تمهيداً لحقبة جديدة من السلام، يرى آخرون أنها لا تزال رهينة تعقيدات سياسية وأمنية قد تعرقل تحقيقها على أرض الواقع.
ويبقى المستقبل مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، ما بين نجاح المصالحة، أو استمرار حالة التوتر، أو حتى دخول الملف الكردي في مرحلة جديدة من الصراع بأشكال مختلفة.